قال تعالى : (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) (١) ، وقال : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) (٢) ، وقال : (فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ* وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ)(٣).
وتحدث فيها الآلات بحدوث أعمال الجنّ والإنس ، الذين يدخلونها ، وقد خلقها الله تعالى من صفة الغضب ، وجميع ما يخلق فيها من الآلام والمحن الّتي يجدها الداخلون فيها فمن صفة الغضب الإلهي ، ولا يكون ذلك إلّا عند دخول الخلق فيها متى دخلوها ، وأمّا إذا لم يكن فيها أحد من أهلها فلا ألم في نفسها ، ولا في نفس ملائكتها ، بل هي ومن فيها من زبانيتها في رحمة الله ، منغمسون ملتذّون ، يسبّحون لا يفترون ، يقول الله تعالى : (وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى) (٤) ، فإنّ الغضب هاهنا هو عين الألم.
فمن لا معرفة له ممن يدّعي طريقتنا ويريد أن يأخذ الأمر من التمثيل والمناسبة فيقول : إنّ جهنم مخلوقة من القهر الإلهي ، وإن الاسم القاهر هو المتجلّي ، ولو كان الأمر كما قاله لشغلها ذلك بنفسها عما وجدت له من التسلّط على الجبابرة ، ولم يمكن لها أن تقول : (هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) (٥) ، ولا أن تقول : أكل بعضي بعضا ، فبنزول الحقّ إليها برحمته الّتي وسعت كلّ شيء ، وسع لها المجال في الدعوى والتسلّط على الجبابرة والمتكبّرين ، فالناس غالطون في شأن خلقها.
__________________
(١) ـ سورة البقرة ، الآية ٢٤ ؛ وسورة التحريم ، الآية ٦.
(٢) ـ سورة الأنبياء ، الآية ٩٨.
(٣) ـ سورة الشعراء ، الآية ٩٤ و ٩٥.
(٤) ـ سورة طه ، الآية ٨١.
(٥) ـ سورة ق ، الآية ٣٠.