ومن أعجب ما درينا عن رسول الله صلىاللهعليهوآله أنّه كان قاعدا مع أصحابه في المسجد فسمعوا هدّة عظيمة ، فارتاعوا ، فقال صلىاللهعليهوآله : تعرفون ما هذه الهدّة؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : حجر ألقي من أعلى جهنّم منذ سبعين سنة ، الآن وصل إلى قعرها ، فكان وصوله إلى قعرها وسقوطه فيها هذه الهدّة ، فما فرغ من كلامه صلىاللهعليهوآله إلّا والصراخ في دار منافق من المنافقين قد مات ، وكان عمره سبعين سنة ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : الله أكبر ، فعلم علماء الصحابة أن هذا الحجر هو ذلك المنافق ، وأنّه منذ خلقه الله يهوي في جهنّم ، وبلغ عمره سبعين سنة ، فلما مات حصل في قعرها ، قال الله تعالى : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) (١).
فكان سماعهم تلك الهدّة الّتي أسمعهم الله ليعتبروا. فانظر ما أعجب كلام النبوّة ، وما ألطف تعريفه ، وما أغرب كلامه صلىاللهعليهوآله (٢).
وصل
قال أستاذنا ـ أدام الله بركاته ـ : اعلم أنّه ذهب بعضهم ـ كصاحب اخوان الصفا وغيره ـ إلى أنّ جهنّم عبارة عن عالم الكون والفساد ، والنار هي الطبيعة المحلّلة للأجساد ، المستولية على الأبدان والجلود ، بالإذابة والتحليل ، والتبديل في كلّ آن ، المفنية لها في أسرع زمان ، لو لم يورد الغاذية بدلها ، كما في قوله تعالى : (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ) (٣) ، وقوله
__________________
(١) ـ سورة النساء ، الآية ١٤٥.
(٢) ـ أنظر : الفتوحات المكية : ١ : ٢٩٧ و ٢٩٨ ، مع بعض الاختلافات ، وحذف بعض العبارات.
(٣) ـ سورة النساء ، الآية ٥٦.