تعالى : (فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) (١) ، وقوله : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) (٢) ، فإنّ هذه الأجساد العنصرية لها طبيعة متصرّفة فيها بالنضج والإحالة ، فحسبوا أن النار المشار إليها في القرآن هي الطبيعة السارية في الأجسام الحسّية ، سيّما الّتي تحت السماء الدنيا.
وممّا يؤكّد هذا الحساب ـ وإن كان باطلا عندنا ـ أن الأكوان الطبيعية كلها سائلة زائلة ، واقعة تحت الفساد بواسطة استيلاء الطبيعة عليها بالتحويل والتحليل ، وكذا النفس ما دامت متعلّقة بهذا البدن ، متّحدة به ، تؤثّر الطبيعة في ذاتها وفي قواها الحسّية ، فإنها منفعلة عن تأثير نيران الطبيعة الكامنة في البدن بالإذابة والتحليل ، وتجفيف الرطوبات الصالحة الحاصلة لها من الأغذية شيئا فشيئا على الدوام ، حتّى يؤدّي إلى الموت ، وكذا تؤلم النفس بإثارة حرارة الشهوة ، ونار الغضب وغيرها ، وكذا تؤلم بإحداث الآلام والحميات والأوجاع الّتي منشؤها الطبيعة المحللة ، خلقها الله لمصلحة دفع المواد المفسدة.
على أن المصلحة في أصل وجود الطبيعة وإشعالها الحرارة الغريزية ، استكمال النفس الناطقة للإنسان ما دامت في البدن بهذه التحوّلات والتقلّبات ، لينقلب إلى أهله مسرورا ، فإذا ارتفع الإنسان من هذا العالم إلى عالم التصور ، أو التعقّل ، خلص من عذاب النيران ؛ إذ لا وجود للطبيعة في غير هذا العالم.
وممّا يؤكّد ظنهم ـ أيضا ـ كون عدد الزبانية وسدنة الجحيم بعينه ، كعدد القوى الخادمة المدبّرة للأبدان الحيوانية ، وكذا كون أبوابها سبعة ، كأبواب القوى الطبيعية المفتوحة إلى جهنّم البدن من عالم النفس ، فإنّ أصل القوى منشبعة منه ،
__________________
(١) ـ سورة البقرة ، الآية ٢٤.
(٢) ـ سورة الأنبياء ، الآية ٩٨.