والحساب ، والكتاب ، وغير ذلك ، ممّا ذكرنا تفصيله وبيانه في كتاب علم اليقين ، فإنّها جميعا تنشأ من النفس ، بل هي كلّها عين النفس ، وصفاتها ، وأحوالها ، كما يظهر عند التأمل في الأصول السالفة والآتية ، وفيما ورد من الأخبار الواردة فيها.
قال في الفتوحات : اعلم يا أخي ـ تولّاك الله برحمته ـ إنّ الجنة الّتي تصل إليها في الآخرة ، والنار الّتي يصل إليها من هو أهلها في الآخرة ، هي مشهودة لك اليوم ، من حيث محلّها ، لا من حيث صورتها ، فأنت فيها تنقلب على الحال الّتي أنت عليها ، ولا تعلم أنك فيها ، فإنّ الصورة تحجبك الّتي تجلّت لك فيها ، فأهل الكشف الذين أدركوا ما غاب عنه الناس يرون ذلك المحلّ ـ إن كان جنة ـ روضة خضراء ، وإن كان جهنّم يرونها بحسب ما يكون فيه من نعوت زمهريرها وحرورها وما أعدّ الله فيها (١).
وأكثر أهل الكشف في بداية الطريق يرون هذا ، وقد نبّه الشرع على ذلك بقوله : «بين منبري وقبري روضة من رياض الجنة» (٢).
وقال نجم الكبرى : اعلم أنّ النفس والشيطان والملك ليست أشياء خارجة عنك ، بل أنت هم ، وكذلك السماء والأرض والعرش والكرسي ليست أشياء خارجة عنك ، ولا الجنة والنار ، إنّما هي أشياء فيك ، فإذا سرت وصفوت تبيّنت إن شاء الله ، وسيأتي تحقيق هذا في المقصد الآتي إن شاء الله.
__________________
(١) ـ الفتوحات المكية : ٣ : ١٣ باختلاف يسير.
(٢) ـ من لا يحضره الفقيه : ٢ : ٥٦٨ ، ح ٣١٥٨.