وصل
وإذ ثبت أن الآخرة داخل حجب السموات والأرض ، فما لم ينهدم بناء الظاهر لم ينكشف أحوال الباطن ؛ لأنّ الغيب والشهادة لا يجتمعان ، ولهذا ورد في الحديث : «لا تقوم الساعة وعلى وجه الأرض من يقول : الله الله» (١).
ومنزلتها من هذا العالم منزلة هذا العالم من الرحم ، فلا يقوم إلّا إذا زلزلت الأرض زلزالها ، وانشقت السماء فهي يومئذ واهية ، وانتثرت الكواكب ، وكوّرت الشمس ، وخسف القمر ، وسيّرت الجبال ، وعطّلت العشار ، وبعثر ما في القبور ، وحصّل ما في الصدور ، فما دام السالك خارج حجب السماوات والأرض فلا تقوم له القيامة ، ومن مات فقد قامت قيامته.
والله سبحانه داخل هذه الحجب ، وعنده علم الساعة ، وهذا هو الجواب الحق مع الكفّار ، إذ قالوا : (مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٢) ، فمن كان بعد على وجه الأرض مع هذه الطبيعة الحاجبة عن أنوار الآخرة لم يحشر بعد إلى الله ، فإذا خرج عن الدنيا حشر إليه تعالى ، وقامت قيامته ، وإذا مات الكلّ ينفخ الصور ، وصعق من في السماوات ومن في الأرض ، قامت القيامة الكبرى ، فظهر نور الأنوار ، وانكشف ضوؤه الحقيقي ، وتجلّى جمال الأحدية ، فلم يبق لأنوار الكواكب عنده ظهور ، فهي مطموسة الأنوار ، مطوية السماوات ، بيمين الحق ، ويتّصل كلّ مستفيض بالمفيض عليه ، فجمع الشمس والقمر ، واتّحدت النفوس بالأرواح ، وزالت المباينة بين الأشباح والأرواح ، ولهذا تكون أبدان أهل الجنة
__________________
(١) ـ جاء في كامل الزيارات : ٧٤ ، هكذا : «لا تقوم الساعة وعلى الأرض هاشمي يطرق».
(٢) ـ سورة يونس ، الآية ٤٨.