بصورة نفوسها ، كالشخص وظلّه ، ورجعت السماوات والأرض إلى ما كانتا عليه قبل انفتاقهما من الرتق ، فعادتا إلى مقام الجمعية والحضور المعنوي ، من هذه التفرقة.
وكذا العناصر الأربعة ، تصير كلّها عنصرا واحدا ، مظلما ، وتنقلب كلها نارا غير هذه النار الأسطقسيّة ، وتصير الهيولى كلها بحرا مسجورا (وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ) (١) ، (أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً) (٢).
وبالجملة : يتصل البر بالبحر ، ويتّحد الفوق والتحت ، وتزول الأبعاد والأحجام ، واتّحد ذو النور مع النور ، والفعل بالفاعل ، فلم يبق من القوى والحواسّ تأثّر ، ولا للمحسوس ـ بما هو محسوس ـ عين ، ولا أثر ، (لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً) (٣) ، (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً) (٤) ؛ لأنها أبدا في الزلزال والاندكاك من خشية الله ، لا استقرار لها ، ولا جمود في الواقع ، بل الجبال كالسحاب في الذوبان والسيلان ، والحس يغلط فيها ، (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) (٥) ، (فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) (٦) ، وكشف الغطاء ، ويرى كلّ شيء على أصله ، من غير تغليط وتزويق ، فالسماء والأرض وغيرهما لكونها من ذوات الأوضاع الشخصية الّتي ركبت من موادّ وصور وأعراض مختلفة قام بها نحو وجودها المحسوس الّذي
__________________
(١) ـ سورة التكوير ، الآية ٦.
(٢) ـ سورة نوح ، الآية ٢٥.
(٣) ـ سورة الإنسان ، الآية ١٣.
(٤) ـ سورة الحاقة ، الآية ١٤.
(٥) ـ سورة النمل ، الآية ٨٨.
(٦) ـ سورة الحاقة ، الآية ١٥.