تقبل رسوم سائر المحسوسات والمتخيّلات والمعقولات عند كونها في مراتب أنوار الحسّ والخيال والعقل ، على تفاوتها في اللطافة والنورية ، ويقدر الإنسان أن يستحضر في قوّته المتخيّلة من الممكنات ما لا يقدر أن يستحضرها في قوّة حسّه ؛ لأنّ تلك القوّة أخروية ، وهذه دنيوية ، وتلك تدرك وتستحضر من داخل وغيب ، وهذه تدرك وتستحضر من خارج وشهادة ، وعالم الغيب أفسح ، ومجالها أبسط ، وهكذا قياس القوّة العقلية في اللطافة والنورية ونسبتها إلى ما تقبله من رسوم أنوار العقليات.
ومنها : أن الأرض في النشأة الأولى تثبّتنا ، فنتثبّت منها ، وفي النشأة الآخرة تخرجنا إخراجا على الصورة الّتي يشاء الحق أن يخرجنا عليها ، كما قال عزوجل : (وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها) (١) ، (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها) (٢) ، أي تبرزها فيها ، وتحدّث بأنه ما بقي فيها ممّا اختزنته شيء.
ومنها : أن الدار الآخرة دار لا فاعل ولا مؤثر هناك إلّا الحق سبحانه ؛ إذ الأسباب المتقابلة والعلل المتضادّة مرتفعة ، وكذا الموانع والقواسر والحجب منتفية في ذلك العالم ، فلا مؤثر ، ولا مالك ، إلّا هو (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) (٣).
ومنها : أن الدنيا دار الحكمة والأسباب ، والآخرة دار القدرة والعجاب ، فإنّ القدرة قد تبرز ما لا يتناهى متناهيا ، وتظهر الشيء اليسير المتناهي بلا نهاية ، حتّى أن الحال الواحد من أحوال أهل النار وأحوال أهل الجنة يجدها صاحبها منسجا من الأزل إلى الأبد ، فيكون فيه بقدر ما بين الأزل إلى الأبد ،
__________________
(١) ـ سورة الزلزلة ، الآية ٢.
(٢) ـ سورة الزلزلة ، الآية ٤.
(٣) ـ سورة الحج ، الآية ٥٦.