قال أبو يزيد (١) : أخذتم علمكم ميّتا عن ميّت ، وأخذنا علمنا عن الحيّ الّذي لا يموت (٢).
وإنّما يحصل هذا العلم بعد فراغ القلب ، وصفاء الباطن ، وتخليته عن الرذائل ، وتحليته بالفضائل ، والزهد في الدنيا ، ومتابعة الشرع ، وملازمة التقوى (وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ) (٣) ، (إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) (٤) (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) (٥) ، (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) (٦).
وفي الحديث : ليس العلم بكثرة التعلّم ، إنّما هو نور يقذفه الله في قلب من يريد الله أن يهديه (٧).
العلم نور وضياء يقذفه الله في قلوب أوليائه ، وأنطق به على لسانهم. العلم علم الله لا يعطيه إلّا لأوليائه. الجوع سحاب الحكمة ، فإذا جاع العبد مطّر
__________________
(١) ـ هو : طيفور بن عيسى البسطامي (١٨٨ ـ ٢٦١ ه) (٨٠٤ ـ ٨٧٥ م) ، أبو يزيد ، ويقال بايزيد ، زاهد مشهور ، له أخبار كثيرة ، كان ابن عربي يسمّيه أبا يزيد الأكبر. نسبته إلى بسطام ـ بلدة بين خراسان والعراق ـ أصله منها ، ووفاته فيها. قال المنّاوي : وقد أفردت ترجمته بتصانيف حافلة. وفي المستشرقين من يرى أنّه كان يقول بوحدة الوجود ، وأنّه ربما كان أوّل قائل بمذهب الفناء ، ويعرف أتباعه بالطيفورية ، أو البسطامية. (الأعلام : ٣ : ٢٣٥).
(٢) ـ أنظر : الفتوحات المكية : ١ : ٣١ ، علما أنّه قد ذكر هذا القول في موارد كثيرة في الفتوحات.
(٣) ـ سورة البقرة ، الآية ٢٨٢.
(٤) ـ سورة الأنفال ، الآية ٢٩.
(٥) ـ سورة الطلاق ، الآية ٢ و ٣.
(٦) ـ سورة العنكبوت ، الآية ٦٩.
(٧) ـ منية المريد : ١٤٨ ، حديث عنوان البصري ، عن الإمام الصادق عليهالسلام.