على سريره اهتزّ سريره فرحا ، وفي القرآن المجيد : (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) (١) ، وهذه النشأة موصوفة بمقابلات ذلك ، وقد مضى بيان ذلك كله مستوفى.
ومنها : أن هذه النشأة الدنياوية لضعف وجودها التدريجي يحتاج الإنسان ـ مادام فيها ـ إلى مهد المكان ، وظئر الزمان ، وكل منهما لضعف وجوده غير مجتمع الوجود ، ولا قارّ الذات ، فوجود كلّ جزء منهما حضوره يقتضي فقد صاحبه وغيبته ، وأمّا النشأة الأخروية فلتمامها مستقلّة بنفسها ، مستكفية بذاتها ، وكذلك كلّ ما فيها تام قائم بذاته ، وذات مبدعه ، من غير افتقار إلى الأزمنة ، والمواد المنقسمة المنفصلة المتصرّمة المتقضّية ، بل المجتمعة الثابتة الّتي لا يمكن أن يخبر عنها لأهل هذا العالم المقيّدين بسلاسل الزمان ، وأغلال المكان ، إلّا بضرب الأمثال ، كما أخبر عن زمان الآخرة ومتاها بأقلّ زمان وألطفه ، قال تعالى : (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ) (٢) ، وعن مكانها بأوسع مكان ، قال سبحانه : (وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) (٣) ، وكما أن البدء غير زماني ولا مكاني ، كما قال عزوجل : (وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) (٤) ، فكذلك العود (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) (٥) ، (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ) (٦).
__________________
(١) ـ سورة العنكبوت ، الآية ٦٤.
(٢) ـ سورة النحل ، الآية ٧٧.
(٣) ـ سورة الحديد ، الآية ٢١.
(٤) ـ سورة القمر ، الآية ٥٠.
(٥) ـ سورة الأعراف ، الآية ٢٩.
(٦) ـ سورة لقمان ، الآية ٢٨.