كذا أفاد أستاذنا ، دام ظلّه (١).
ونرتقي إلى بيان أعلى :
وصل
وقد دريت أن ذاته سبحانه مع وحدته وبساطته كلّ الأشياء ، فعلمه بذاته إذن عين علمه بكل شيء ، وقد أفادوا ذلك بقولهم : تجلّي ذاته لذاته ، وذكروا أن حقيقته تعالى من حيث المبدئية عبارة عن التعيّن الكلي الجامع لجميع التعيّنات الكليّة والجزئية ، الأزلية والأبدية ، ويسمى بالتعيّن الأوّل ، فعلمه بالتعيّنات الغير المتناهية الواقعة في جميع العوالم من الأزل إلى الأبد عين علمه بذاته البسيطة ، فذاته سبحانه منطو على الموجودات كلّها انطواء أزليا في مرتبة ذاته ، محيط بها إحاطة تامة ، بحيث لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ، فذاته كمجلاة يرى بها ، وفيها صور الموجودات قاطبة ، من غير حلول ، ولا اتحاد؛ إذ الحلول يقتضي وجود شيئين لكلّ منهما وجود يغاير وجود صاحبه ، والاتحاد يستدعي ثبوت أمرين يشتركان في وجود واحد ، ينسب ذلك الوجود إلى كلّ منهما بالذات، وقد دريت أن هنالك ليس كذلك.
وكما أن علمه سبحانه بذاته هو عين ذاته من غير مغايرة هناك بين العلم والعالم والمعلوم بالذات ، بل ولا بالاعتبار ، فكذلك علمه سبحانه بالأشياء ـ أيضا ـ يجب أن يكون عين ذاته ، بناء على الانطواء المذكور ، من دون مغايرة بين الثلاثة بالذات ، وإنما المغايرة هنا بحسب الاعتبار من حيث إنّه سبحانه إنّما
__________________
(١) ـ أنظر : المبدأ والمعاد : ١٠٢.