وصل
ولما كان الابتهاج عبارة عن نفس الإدراك ، وإدراكه سبحانه للأشياء ، وعلمه بها ، على نحو من الترتيب على ما أشرنا إليه ، كما أن صدورها عنه كذلك ، فابتهاجه بها إذن إنّما يكون على الترتيب ، فكلّ ما هو أقرب منه وأشرف وأكمل في سلسلتي البدء والرجوع ، فهو أحبّ إليه ، وهكذا متدرّجا إلى الأحبّ فالأحب ، حتّى ينتهي إلى أخسّ الموجودات ، وأنجس العاصيات ، وهو إبليس من الأحياء ، والمادّة الجسمية من الأموات.
أصل
وكما أن الأغيار كلّها باطلات الذوات ، هالكات الحقائق ، دون وجهه الكريم ، فكذلك صفاتها كلها مستهلكة في صفاته تعالى ، مستغرقة فيها ، وكما أنّ وجوده سبحانه كلّ الوجود ، وكله الوجود ، فكذلك صفاته تعالى كلّ الصفات (لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها) (١) ؛ لأنّه سبحانه بسيط الحقيقة ، ليس فيه نقصان ، وما هذا شأنه يكون كلّ الشيء ، كما مرّ بيانه.
فعلمه سبحانه واحد ، ومع وحدته يكون علما بكل شيء ، وكل علم بشيء ؛ إذ لو بقي شيء ما لا يكون ذلك العلم علما به لم يكن علما حقيقيا ، بل علما بوجه ، وجهلا بوجه آخر ، وحقيقة الشيء لا يكون ممتزجا بغيره ، فلم يخرج جميعه من القوّة إلى الفعل ، وقد دريت أنّه سبحانه ليس فيه جهة فقر وقوّة
__________________
(١) ـ سورة الكهف ، الآية ٤٩.