فصل
قال صاحب الفتوحات : اعلم أنّ للأسماء الإلهية لسان حال يعطيها الحقائق ، فاجعل بالك لما تسمع ، ولا تتوهم الكثرة ، ولا الاجتماع الوجودي ، وإنما أورد في هذا الباب ترتيب حقائق معقولة كثيرة من جهة النسب ، لا من جهة وجود عيني ، فإنّ ذات الحق واحدة من حيث ما هي ذات ، كثيرة بالأسماء (١).
فأقول بعد تقرير هذا : إنّ الأسماء اتفقت بحضرة المسمى ، ونظرت في حقائقها ومعانيها ، فطلبت ظهور أحكامها حتّى تتميّز أعيانها بآثارها ، فإنّ الخلّاق الّذي هو المقدر ، والعالم ، والمدبّر ، والمفصل ، والباري ، والمصوّر ، والرازق ، والمحيي ، والمميت ، وجميع الأسماء الإلهية نظروا في ذواتهم ولم يروا مخلوقا ، ولا مدبّرا ، ولا مفصّلا ، ولا مصوّرا ، ولا مرزوقا ، فقالوا : كيف العمل حتى تظهر هذه الأعيان الّتي تظهر أحكامنا فيها ، فيظهر سلطاننا ، فجاءت الأسماء الإلهية الّتي يطلبها بعض حقائق العالم ، بعد ظهور عينه إلى الاسم البارىء ، فقالوا له : عسى توجد هذه الأعيان لتظهر أحكامنا ، ويثبت سلطاننا ؛ إذ الحضرة الّتي نحن فيها لا تقبل تأثيرنا.
فقال الباري : ذلك راجع إلى الاسم القادر ، فإنّي تحت حيطته ، فكان أصل هذا أنّ الممكنات في حال عدمها سألت الأسماء الإلهية سؤال ذلّة وافتقار ، وقالت لها : إنّ العدم قد أعمانا عن إدراك بعضنا بعضا ، وعن معرفة ما يجب لكم
__________________
(١) ـ أنظر : الفتوحات المكية : ١ : ٣٢٢.