كان. هكذا ترقّى العارفون من حضيض المجاز إلى دائرة الحقيقة ، واستكملوا معراجهم فرأوا بالمشاهدة العيانية أنّه ليس في الوجود إلّا الله ، وأن كلّ شيء هالك إلّا وجهه ، لا أنّه يصير هالكا في وقت من الأوقات ، بل هو هالك أزلا وأبدا ، لا يتصور إلّا كذلك.
تمثيل :
ليس حال ما يطلق عليه السوي والغير بالنظر إليه سبحانه ، وله المثل الأعلى ، إلّا كحال الأمواج على البحر الزخار ، فإنّ الموج لا شك أنّه غير الماء عند العقل ، من حيث إنّه عرض قائم بالماء ، وأمّا من حيث الوجود فليس فيه شيء غير الماء ، فمن وقف عند الأمواج الّتي هي وجودات الحوادث وصورها ، وغفل عن البحر الزخّار الّذي بتموّجه تظهر من غيبه إلى شهادته ، ومن باطنه إلى ظاهره هذه الأمواج ، يقول بالامتياز بينهما ، ويثبت السوي والغير ، ومن نظر إلى البحر وعرف أنها أمواجه ، والأمواج لا تحقق لها بأنفسها ، قال بأنها أعدام ظهرت بالوجود ، فليس عنده إلّا الحق سبحانه ، وما سواه عدم ، تخيّل أنّه موجود متحقّق ، فوجوده خيال محض ، والمتحقق هو الحق لا غير ، وفي هذا قيل :
البحر لج على ما كان في قدم |
|
إنّ الحوادث أمواج وأنهار |
لا يحجبنّك أشكال تشاكلها |
|
عمّن تشكّل فيها فهي أستار |
تمثيل آخر :
أو كحال مراتب العدد بالنسبة إلى الواحد ، لا بشرط شيء ، فإنّ لكلّ مرتبة