لفعله هو هذا الظهور ، وهو نور واحد ، تظهر به الماهيات بلا جعل وتأثير ، وبسبب تمايز الماهيات الغير المجعولة وتخالفها من دون تعلّق جعل وتأثير اتصف هذا النور الّذي هو حقيقة الوجود المطلق بصفة التعدد والتكثّر بالعرض ، لا بالذات ، فتعاكس أحكام كلّ من الماهية والوجود إلى الآخر ، وصار كلّ منهما مرآة لظهور أحكام الآخر فيه ، بلا تعدّد وتكرار في التجلّي الوجودي أصلا ، بل التعدد إنّما هو في المظاهر والمرايا لا غير ، كما قيل :
وما الوجه إلّا واحد غير أنه |
|
إذا أنت عددت المرايا تعدّدا |
ألم تر إلى النور الشمسي كيف يتكثّر ويتعدّد بتكثّر المشبكات والرواشن ، وهو في نفسه واحد لا تكثّر فيه أصلا ، وإلى الواقع منه على الزجاجات المختلفة الألوان كيف ينصبغ بصبغ ألوانها المتعددة ، وهو في نفسه لا لون له ، ولا تفاوت فيه بوجه من الوجوه.
ولو لا هذا الظهور الّذي هو إظهار منه سبحانه لنفسه بالذات ، ولغيره بالعرض ؛ لما ظهر شيء من الموجودات ، ولا وجدت بوجه من الوجوه ، بل كانت باقية في حجاب العدم وظلمة الاختفاء لعريّها بحسب ذواتها عن الوجود والظهور ، كما دريت ، فإنّما ظهورها به سبحانه ، وله ، ومعه ، ومنه ، وفيه ، وما هي في حدود أنفسها إلّا أمور اعتبارية ، أو عدمية ، من تعيّنات أو تناهيات وحدود ، فهي في الحقيقة من حيث ذواتها (كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ) (١).
ومن هنا قيل ـ عند سماع حديث : كان الله ولم يكن معه شيء ـ : الآن كما
__________________
(١) ـ سورة النور ، الآية ٣٩.