وصل
وبهذا التحقيق تندفع شبهة مشهورة تاه فيها الأكثرون ، وهي أنّه قد ثبت في محله أنّ العلم بالشيء لا يحصل إلّا بعد العلم بفاعله التام ، من حيث هو فاعل ، والأشياء كلها مستندة إلى الله سبحانه ، إمّا بغير واسطة ، أو واسطة هي منه تعالى ، فيلزم أن لا يحصل العلم بشيء من الأشياء إلّا بعد العلم بذاته سبحانه.
ووجه الدفع : أن ذاته سبحانه من حيث هو فاعل للشيء هو بعينه وجوده النازل إلى مرتبة ذلك الشيء ، وتعيّنه بذلك ، فهو بعينه وجود ذلك الشيء ، وهو بعد وجوده تعالى والعلم به الّذي هو عين ذاته ، فالعلم بذلك الشيء الّذي هو نفس وجوده لم يحصل إلّا بعد العلم به تعالى في مرتبة ذاته ، الّذي هو نفس وجوده تعالى ، فتدبّر فيه لئلّا تتوهم أنّ ذاته سبحانه تصير شيئا من الأشياء ، تعالى الله عن ذلك ، فإنّه موضع مزلّة الأقدام.
أصل
قد دريت أن الوجود الحق من حيث ذاته لا اسم له ، ولا نعت ، فالاسم الله المتضمّن لسائر الأسماء هو الوجود المطلق ، وهو بعينه الاسم النور ، كما قال سبحانه : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (١) ؛ إذ به تتنوّر سماوات الأرواح وأراضي الأشباح.
فللوجود الحق ظهور لذاته في ذاته ، يقال له غيب الغيوب ، وظهور بذاته ،
__________________
(١) ـ سورة النور ، الآية ٣٥.