معه ، فخلق الشيء الّذي جميع الأشياء منه ، وهو الماء» (١).
قيل : إن الماء كناية عن مادّة الجسمانيات ؛ لقبولها التشكّلات بسهولة ، وإنما كان أوّل ما خلقه الله من عالم الأجسام ، كما أن العقل أوّل ما خلقه الله من عالم الأرواح ؛ وذلك لأنّ المادّة أصل للجسمانيات ، وعليها مختلف الصور ، وهي وإن كانت تتبدل بتبدل الصور من وجه ، إلّا أنها من حيث إنها مادّة لها ، وأصل تبتني هي عليها ، باقية في جميع الأحوال ، ولها التقدّم عليها.
أقول : قد مضى منا القول بأن الماء كناية عن إمكان الموجودات وقابليتها للوجود ، فتشمل مادّة الروحانيات أيضا.
وصل
الموجودات الثلاثة المفاضة بالجهات الثلاث العقلية ، إمّا أن تكون متباينة الأجناس ، بأن يكون الأوّل عقلانيا ، والثاني نفسانيا ، والثالث جرمانيا ، ويوجد بالعقل الثاني ثلاثا أخرى هكذا وهكذا ، وإما أن يكون الكلّ عقلانيا مختلف المراتب إلى أن يحصل عدد كثير من العقول ، وتضعف الوجودات بالبعد عن منبعها ، ثمّ تنتهي النوبة إلى النفوس والأجسام. كلاهما محتمل.
ويجوز أن يكون تكثّر الجهات أيضا على نحو آخر غير ما ذكر.
وبالجملة : فتجلّيه سبحانه في كلّ مرتبة من مراتب الكون ، وتنزّله إلى كلّ شأن من الشؤون يوجب ظهور ماهية من الماهيات ، ومرتبة من مراتب الفاقرات ، وكلّما كانت مراتب النزول أكثر ، وعن منبع الوجود أبعد ، كان ظهور
__________________
(١) ـ كتاب التوحيد : ٦٦ ، ح ٢٠.