الأعدام والظلمات بصفة الوجود ونعت الظهور ، واحتجاب الوجود بأعيان المظاهر ، واختفاؤه بصور المجالي ، وانصباغه بصبغ الأكوان ، أكثر ، فكلّ نزول يوجب تواضعا عن غاية الرفعة والعظمة ، وشدّة النورية ، وقوّة الوجود ، وكل له قانتون.
وهكذا تتنزّل الوجودات (١) في المراتب ، ثمّ تترقّى متواصلة بحيث لا ثلمة فيها متنازلة ومتصاعدة ، إلى أن تنتهي إلى ما بدأت منه ، كما قال سبحانه : (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) (٢).
وقد مضى بيان ذلك مجملا ، وسيأتي إن شاء الله مفصّلا ، بما لا مزيد عليه.
وصل
الغرض من إثبات هذا الترتيب في الموجودات إنّما هو تصحيح سدود العالم بجميع أجزائه ، من حيث كثرته الاجتماعية عن الحقّ الواحد من جميع الوجوه ؛ لئلّا تنثلم الوحدة الحقّة بصدور الأمور الكثيرة في مرتبة واحدة ، كما أشرنا إليه.
وأمّا إذا أخذ العالم كلّه شخصا واحدا وحدة شخصية ، فيجوز أن يكون مستندا إليه سبحانه أولا وبالذات ، من دون وسط وشرط ، وتكون علّته الفاعلية بعينها علّته الغائية ؛ إذ لا كثرة له من هذه الحيثية.
والفرق بين الحيثيتين كالفرق بين الإجمال والتفصيل ، من أن التفاوت
__________________
(١) ـ في المخطوطة «الوجود».
(٢) ـ سورة الأعراف ، الآية ٢٩.