بينهما إنّما هو بنحو الإدراك ، لا بشيء في المدرك.
وأمّا كيفية صدور العالم بجميع أجزائه مرة واحدة على سبيل الإبداع مع كون بعض أجزائه تدريجيّ الوجود بالذات ، أو بالعرض ، وبعضها دفعي الوجود كذلك ، وبعضها لا هذا ، ولا ذاك ، فتحقيقه لا يحتاج إلى مزيد بيان ، بعد الاطلاع على ما أسلفناه من الأصول ، وسيأتي أيضا في مباحث حدوث العالم وغيرها بما يؤيده ويوضّحه ، إن شاء الله.
أصل
قد دريت في الأصول السالفة أن كلّ فاعل يفعل فعلا لغرض ، أو غاية ، فلا بدّ وأن يكون حصول ذلك الغرض أو الغاية أولى له من لا حصوله ، كما أشير إليه بقوله سبحانه : (وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ) ، وإذ هو سبحانه غني بالذات من جميع الوجوه ، ليس شيء أولى به إلّا وهو حاصل له بذاته في مرتبة ذاته ، كما قال : (إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) (١) ، فليس لفعله لمّية غير ذاته ، ولهذا مصير فعله كلّه إلى ذاته ، كما ثبت بالبرهان ، وسيأتي في آخر المقصد الثاني ، إن شاء الله.
ومن هنا قال سبحانه : (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) (٢) ، وكيف يسئل من هو نفسه الجواب؟
وأيضا هو الفاعل الأوّل للأشياء قاطبة والغايات كلها كسائر الأشياء
__________________
(١) ـ سورة العنكبوت ، الآية ٦.
(٢) ـ سورة الأنبياء ، الآية ٢٣.