أبان للناس أماكنها ، ودلّهم عليها ، وبالإمضاء شرح عللها وأبان أمرها ، وذلك تقدير العزيز العليم» (١).
أصل
إن قيل : ما السبب في المحو والإثبات ، وما الحكمة فيها؟ وكيف تصح نسبة التردد وإجابة الدعاء ونحو ذلك إلى الله سبحانه ، مع إحاطة علمه بكل شيء أزلا وأبدا ، على ما هو عليه في نفس الأمر ، وتقدّسه عما يوجب التغيّر والسنوح ، ونحوهما؟
فاعلم أن القوى المنطبعة الفلكية لم تحط بتفاصيل ما سيقع من الأمور دفعة واحدة ؛ لعدم تنافيها ، بل إنما تنتقش فيها الحوادث شيئا فشيئا ، وجملة فجملة ، مع أسبابها وعللها ، على نهج مستمر ، ونظام مستقرّ ، فإنّ ما يحدث في عالم الكون والفساد إنّما هو من لوازم حركات الأفلاك المسخّرة لله تعالى ، ونتائج بركاتها ، فهي تعلم أنّه كلّما كان كذا كان كذا ، فمهما حصل لها العلم بأسباب حدوث أمر ما في هذا العالم ، حكمت بوقوعه فيه ، فينتقش فيها ذلك الحكم ، وربّما تأخّر بعض الأسباب الموجب لوقوع الحادث على خلاف ما توجبه بقية الأسباب لو لا ذلك السبب ، ولم يحصل لها العلم بذلك السبب بعد ؛ لعدم اطلاعها على سبب ذلك السبب ، ثمّ لما جاء أوانه واطّلعت عليه حكمت بخلاف الحكم الأوّل ، فينمحي عنها نقش الحكم السابق ، ويثبت الحكم الآخر.
مثلا : لما حصل لها العلم بموت زيد بمرض كذا ، في ليلة كذا ، لأسباب
__________________
(١) ـ كتاب التوحيد : ٣٣٤ ، ح ٩.