تقتضي ذلك ، ولم يحصل لها العلم بتصدّقه الّذي يأتي به قبل ذلك الوقت ؛ لعدم اطّلاعها على أسباب التصدق بعد ، ثمّ علمت به ، وكان موته بتلك الأسباب مشروطا بأن لا يتصدّق ، فيحكم أولا بالموت ، وثانيا بالبرء ، وإذا كانت الأسباب لوقوع أمر ولا وقوعه ، متكافئة ولم يحصل لها العلم برجحان أحدهما بعد ؛ لعدم مجيء أوان سبب ذلك الرجحان بعد ، كان لها التردّد في وقوع ذلك الأمر ، ولا وقوعه ، فينتقش فيها الوقوع تارة ، واللاوقوع أخرى.
فهذا هو السبب في المحو والإثبات ، والحكمة فيهما.
وأمّا صحة نسبة البداء والتردد ، وأمثالهما ، إلى الله سبحانه ، مع إحاطة علمه عزوجل بالكلّيات والجزئيات جميعا ، أزلا وأبدا ، على ما هي عليها في المواقع ، من غير تطرّق تغيّر ، وسنوح في ذاته عزوجل ، فالوجه فيه ما ذكره أستاذنا ـ دام ظلّه ـ قال : لما كان كلّ ما يجري في ذلك العالم النفسي إنّما يجري بإرادة الله تعالى ، بل فعلهم بعينه فعل الله تعالى ، حيث إنهم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ؛ إذ لا داعي لهم على الفعل إلّا إرادة الله عزوجل؛ لاستهلاك إرادتهم في إرادته سبحانه ، ومثلهم كمثل الحواسّ للإنسان ، كلّما همّ بأمر محسوس امتثلت الحاسة لما همّ به وأرادته دفعة ، فكلّ كتابة تكون في تلك الألواح والصحف فهو أيضا مكتوب الله عزوجل بعد قضائه السابق المكتوب بقلمه الأوّل ، فيصحّ أن يوصف الله بالنسخ ، والبداء ، والتردد ، وإجابة الدعاء ، ونحو ذلك ، بهذا الاعتبار ، وإن كان مثل هذه الأمور يشعر بالتغيّر والسنوح ، وهو الله عزوجل منزّه عنه ، فإنّ كلّ ما وجد ، أو سيوجد، فهو غير خارج عن عالم ربوبيّته.