أصل
قد بيّنا أن العالم كله تدريجي الوجود ، متبدّل الكون ، إلّا ما صار مخفيا تحت سطوع النور الأوّل ، وهو محلّ القضاء الّذي هو بمنزلة الضوء بالنسبة إليه سبحانه.
وقد ثبت أن العالم إنّما يوجد بالكلام ، وبأمر «كن» ، فهو الله سبحانه إذا قضى أمرا فإنّما يقول له : كن ، بلا حرف وصوت ، فيكون ، فإذا كان أشرف على العدم من ساعته لهلاكه الأصلي ، وبطلانه الذاتي ، فيقول الله جل جلاله ثانيا : كن ، فيكون ثانيا بهذه الكلمة الثانية.
وإن شئت قلت بتلك الكلمة الأولى بعينها ؛ لأنّ أمر الله واحد ، وكلمته واحدة ، والقضاء واحد ، إلّا أنها ثانية في حق العالم ، فإذا كان أشرف على العدم من ساعته ، فيقول الله ـ عزّ سلطانه ـ له ثالثا : كن ، فيكون ثالثا ، وهكذا إلى ما شاء الله.
فهو الله تبارك وتعالى كلّ يوم في شأن ، مع تعاليه عن تعدّد الشأن ، وكل مخلوق فهو دائما في حركة ، وفي كلّ لحظة في خلق جديد (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) (١) ، (بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) (٢) ؛ وذلك للطافة الحجاب ، ورقّته ، وتشابه الصور ، مثل قوله تعالى :
__________________
(١) ـ سورة النمل ، الآية ٨٨.
(٢) ـ سورة ق ، الآية ١٥.