فهو يجهد نفسه من أجل الآخرين ، وهذه تضحية فردية مقابل إنقاذ مجتمعات وانتشالها من غياهب الظلمات إلى ساحل النور ، والهداية إلى طريق السلامة ، فإنّ الشمعة إنما تحرق نفسها من أجل إنارة الدرب للسائرين في المسالك المظلمة ، فهذه تضحية ويا لها من تضحية ، فإنّ السائر في درب مظلم يجد نفسه تأنس بما يشاهده من نور ، ولو كان بعيدا ، فضلا عن كونه قريبا منه.
ولعله لهذا ورد في الأخبار : «النظر إلى وجه العالم عبادة» (١) ، فلعل من وجوه الحكمة فيها أنّ الّذي ينظر إلى وجه العالم يجد نفسه مطمئنة بأنّ هناك من هو ينير له الدرب باستمرار من خلال سيره نحو بناء نفسه وكيانه ، والله العالم.
وهكذا جاء الحثّ من قبل الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآله على هذا المقام الرفيع للعالم ، فقد جاء في الروايات : «مجالسة العلماء عبادة» (٢) ، فإنّ من رافق العلماء ، وحضر مجالسهم ، ودأب على حضور المحافل الّتي يرتادونها ، فإنّه يجد نفسه في حيرة دائما أمام هذه الشخصيات الّتي ما فتئت تطارد الجهل في أو كاره ودهاليزه المظلمة ، فهذه الشخصيات الّتي جعلت على عاتقها سدّ الثغرات الّتي يحاول الجهل أن يزرعها في أسوار الحياة الإنسانية ، من أجل أن يجعلها وسيلة له في هدم سور العلم الحصين ، فإنّ السور الّذي تكثر فيه مثل هذه الثغرات ينهدم بسهولة ، فإذا بثلّة من هذه البشرية قامت بمهمة صعبة للغاية وهي مهمة رأب الصدع بما يجعله صعب النفوذ ، بل تبدّله بجدار رصين أمام التيّارات الثقافية الجاهلة ، والّتي تنطلق بين الحين والآخر من منطلق لا يستند إلى أي ثقافة علمية ، بل لا تجد في مثل هذه التيارات غير الأكاذيب والألاعيب
__________________
(١) ـ من لا يحضره الفقيه : ٢ : ٢٠٦ ، ح ٢١٤٤.
(٢) ـ كشف الغمّة : ٢ : ٢٦٨.