فتحاول أن تجد وسيلة ـ وبأي طريقة كانت ـ كي تهتدي بها إلى الرسو على اليابسة ، ولهذا نجد في الموانىء وسواحل البحار أنهم يضعون فنارا عاليا كي تحاول السفن أن تسير نحوه عندما تواجه المشاكل في الاهتداء إلى البرّ ، فهذه الفنارات واضحة المعالم في الليل ، كما هي في وضح النهار.
فالعالم يكون هو الرمز الحقيقي الّذي به يمكن للأمم أن تصمد أمام التيارات الفكرية ، والّتي تحاول أن تبعد البشرية عن الاهتداء بنور الهداية الإلهية ، وتعرقل دائما مسيرة الدين من خلال وضع العراقيل الّتي تمنع من الوصول بسرعة إلى مكامن الخير والسعادة البشرية.
وقد جاء في بعض التعابير ما يظهر مثل هذه الخصائص للعلماء ، وأنهم باقون ما بقي الدهر «العلماء باقون ما بقي الليل والنهار» ، كما هو الوارد في غرر الحكم «العالم حي وإن كان ميتا» (١) ، فهو تجسيد حيّ لما ورد في الأخبار «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلّا من ثلاث : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ...» ، فالعالم حيّ بروحه ، وبفكره ، نتيجة لما أسسه من القواعد والأسس الرصينة الّتي بثّها في الساحة العلمية ، وارتكزت عليها النظريات العلمية الّتي تظهر في الساحة العلمية خلال مرحلة المسيرة الإنسانية.
وهكذا علماؤنا ـ قدس الله أسرار الماضين ، وحفظ الباقين ـ فهم الذين نالوا شرف المدح والثناء من قبل الله سبحانه وتعالى ، وكذلك من قبل النبي الأكرم وأهل بيته الأطهار عليهمالسلام ، فكانت لهم مكانتهم المرموقة ، والجاه الرفيع عند أئمتنا عليهمالسلام ، نظرا لما يبذلونه من قصارى الجهود ، وسهر الليالي ، من أجل
__________________
(١) ـ أنظر : غرر الحكم : ٤٧ ، الفصل الثالث في العالم / فضل العلماء ، تجد الكثير من الأحاديث الّتي وردت في خصوص بيان فضل العلماء.