فأما ثغرة الهم فإنما أراد به ناحية الهم ، وكذلك ثغرة الميلاد ، والثغرة في كلامهم هي الفرجة والثلمة ، وهي الثغر ، وهو البلد المجاور لبلد الأعداء البادئ لهم ، فكأن أبا تمام أراد أن الهموم هي الجالبة لشيبه والتي دخل من قبلها على رأسه الشيب دون جهة الميلاد ، لأنه لم يبلغ من السن ما يقتضي نزول الشيب.
وقال الآمدي : كان وجه الكلام أن يقول : من ثغرة الكبر أو من ثغرة السن لا من ثغرة الميلاد.
وهذا منه ليس بصحيح ، لأن العبارات الثلاث بمعنى واحد ويقوم بعضها مقام بعض، لأن الميلاد عبارة عن السن ، فمن تقادمت سنه تقادم ميلاده ومن قربت سنه وقصرت قصر وقرب زمن ميلاده.
وأنكر أيضا الآمدي قوله (نال رأسي) ، قال : وكان يجب أن يقول : حل برأسي أو نزل برأسي.
والأمر بخلاف ما ظنه ، لأن الجميع واحد وما نال رأسه فقد حل به ونزل. ونظير قوله (نال رأسي من ثغرة الهم) قولي من أبيات في الشيب سيجئ ذكرها بإذن الله تعالى :
ولو أنصفتني الأربعون لنهنهت |
|
من الشيب زورا جاء من جانب الهم |
ونظير قوله (طال إنكاري البياض) قول البحتري :
وكان جديدها فيها غريبا |
|
فصار قديمها حق الغريب |
وله ـ وقيل إنه منحول ـ في ذكر الخضاب :
فإن يكن المشيب طرا علينا |
|
وأودى بالبشاشة والشباب |
فإني لست أدفعه بشئ |
|
يكون عليه أثقل من خضاب |