ضلالا ولو لم يصل الى الفرق بين الضلال والهدى ، ولكان القديم تعالى لا يوصف بالقدرة على الفصل بين الضلال والهدى.
فإن قال منهم قائل : ان ما يفعله القديم تعالى ولم يتعلق لنا به أمر ولا نهي فليس بضلال ولا هدى وما أمر به ونهي عنه ، فليس الأمر والنهي دليلين على كونه هدى وضلالا بل هما علة كونه كذلك. وليس المعجز كذلك ، لأنه انما يدل على صدق الصادق وليس هو ما به (١) يكون الصادق صادقا ، وإذا كان هكذا لم يكن هذا الإلزام نظيرا لما قلناه.
فان نقلتم الكلام الى أن الهدى والضلال والهدى لم يكن ضلالا وهدي إلا بالأمر والنهي. أخرجتم هذه المسألة إلى شيء آخر.
يقال لهم : أليس ما أمر الله تعالى من الاعتقادات والاخبار عن المحرمات وما فعله من ذلك فينا ، لا يدل فعله له وأمره به على أن معتقد الاعتقاد ومخبر الخبر على ما هما به لا يمتنع أن يكون الاعتقاد جهلا والخبر كذبا ، ولا يكون فعله وأمره دليلين على أن مخبر الخبر الذي أمر بفعله ومعتقد الاعتقاد الذي تولى فعله أو أمر به على ما هو عليه ، ولا يوصف بالقدرة على أن يدل على حق ذلك من باطله.
فإذا قالوا : بلى.
قيل لهم : ولم يخرج بهذا عندكم عن صفة هو عليها في ذاته ولا أوجب صفة نقص له، فما أنكرتم أنه لا يمكن أن يجعل المعجز دليلا على صدق من ظهر عليه ، ولا يوجب ذلك تعجيزا له ولا خروجه عن صفة من صفات ذاته. فقد بان صحة ما ألزمهم إياه بطريق الكلام فيه.
فان قالوا : أنهم أيضا يقولون : انه لا سبيل الى ابتداء الاستدلال على أن الله
__________________
(١) في الأصل «ماله».