لهذا العالم واجب الوجود لذاته ، بل يبقى (١) احتمال أنه ممكن الوجود لذاته ، فمن أراد إثبات واجب الوجود لذاته ، وجب عليه أن يقيم (٢) الدليل على أن ممكن الوجود حال بقائه يحتاج إلى المؤثر ، ثم يقيم الدليل على بطلان الدور والتسلسل ، وحينئذ يحصل له القطع بوجود موجود واجب الوجود لذاته.
والمطلب الثالث : إن هذا الدليل لا يدل على أن واجب الوجود لذاته قادر مختار فإن لقائل أن يقول : لم لا يجوز أن يقال : هذا الموجود الذي تولى إمكان تركيب هذا العالم وتأليفه ، موجود ممكن الوجود لذاته ، وهو معلول موجود واجب الوجود لذاته ، وذلك الواجب أوجب هذا الفاعل المختار إيجابا بالذات؟ وعلى هذا التقدير ، فهذا الدليل لا يفيد كون المبدأ الأول فاعلا مختارا. فهذه جملة ما يجب التنبيه عليه في معرفة هذا الدليل ، والله أعلم.
فإن قيل : السؤال على الدليل الذي ذكرتم من وجوه :
الأول : لم قلتم : إن الذوات الجسمانية متساوية بأسرها في قبول الصفات؟ قوله : «المتساويات في تمام الماهية يجب استواؤها في قابلية الصفات» قلنا : هذا ممنوع : وبيانه : أن بتقدير أن تكون الأجسام بأسرها متساوية في الجسمية ، فإنه يجب كون كل واحد منها ممتازا عن الآخر بتعينه وبتشخصه ، ضرورة أن ما به المغايرة مغاير لما به المشاركة ، وإذا كان كذلك لم يبعد أن يكون ذلك القيد الزائد ، أعني التعين الخاص ، معتبرا في المقتضى من أحد الجانبين ، وكان مانعا من الجانب الآخر ، وإذا كان الأمر كذلك لم يلزم من الاستواء في تمام الماهية (حصول) (٣) الاستواء في القابلية.
السؤال الثاني : إن الذي ذكرتموه من أن المتساويات في تمام الماهية يجب استواؤها في كل اللوازم (منقوض) (٤) بصور كثيرة :
__________________
(١) يقرع (س).
(٢) يقدم (س).
(٣) من (ز).
(٤) من (ز).