بقاع العالم : روح سماوي (١) على التعيين ، ثم إنهم لأجل هذا الاعتقاد بنوا لكل واحد من تلك الأرواح ، [هياكلا وصورا ، وزعموا : أنها تجري مجرى التمثال لذلك الروح (٢)] ثم يبالغون في تعظيم [ذلك] (٣) ويزعمون : أن تلك الملائكة بأسرها عباد الله ، وأن البشر ليس لهم أهلية عباد الله [تعالى] (٤) بل الغاية القصوى في حقهم عبودية الملائكة ، الذين هم عباد الله. فما لم تبطلوا بالدليل هذا الاحتمال ، لم يحصل مقصودكم [والله أعلم] (٥).
والجواب : قوله : «لم لا يجوز أن يختص كل واحد من أجزاء الرحم بخاصة ، لأجلها يفيد الأثر المخصوص»؟ قلنا : إن الحس يدل على أن الرحم متشابه الأجزاء في الطبيعة والخاصية ، وأيضا : فأكثر الأعضاء المختلفة في القوة (٦) والصفة إنما تتكون في داخل البدن وأجزاء الرحم لا تلاقى شيئا منها.
قوله : «لم لا يجوز أن يكون المؤثر في حدوث هذه الأبدان [أن يكون] (٧) هو القوة الطبيعية المولدة؟
قلنا : نحن نعلم بالضرورة أن القوى الطبيعية الموجودة في أعضائنا ليس لها الحكمة التامة ، والقدرة التامة ، ونعلم بالضرورة أن الخالي عن العلم والقدرة لا يمكنه إيجاد مثل هذه البنية المشتملة على هذه المنافع العجيبة ، وكل ما يذكر في تقرير هذه المقدمة ، فهو يجري مجرى إيضاح الواضحات ، كل ما يذكره الخصم في إبطالها فهو يجري مجرى إنكار البديهيات.
وقد صنف محمد بن زكريا الرازي كتابا في إقامة الدلالة على وجود الإله الحكيم بواسطة بدن الإنسان ، وقال في أول تلك الرسالة : «من رأى إبريقا وتأمل في كيفية تركيبه ، فرأى رأس الإبريق كالقمع الواسع ، ورأى بنيته معتدلة في الضيق والسعة ، ورأى عروته على شكل مخصوص ، ثم علم أن رأسه
__________________
(١) سماوات (س).
(٢) من (س) الصحيح هياكل.
(٣) من (س).
(٤) من (س).
(٥) من (ز).
(٦) الصورة (س).
(٧) من (ز).