الواسع يصلح لأن ينصب الماء فيه ، وعلم أن بقية بنيته الواقعة على الحد المتوسط [في السعة] (١) والضيق ، صالحة لأن تخرج الماء منه بالقدر المعتدل ، وعلم أن عروقه صالحة لأن توجد [باليد] (٢) فمن كان عقله سليما عن أصناف الآفات ، نقيا. قطع بأن هذا الإبريق المركب من هذه الأجزاء الصالحة لهذه المنافع ، لم يتكون بنفسه ، ولم يتخلق بذاته. وأيضا : لم يتكون بحسب الطبيعة الخالية عن الشعور والإدراك ، بل يقطع بأن فاعلا عالما قادرا علم أن الانتفاع لا يتم إلا بهذا الإبريق في المقاصد المخصوصة [إلا عند حصول هذه الأجزاء الثلاثة على هذه الصفات المخصوصة] (٣) أما الرأس الواسع فلأجل أن يسهل صب الماء في الإبريق ، وأما الثقبة المعتدلة في البلبلة فليحسن خروج الماء منه بالقدر المعتدل ، وأما العروة فليسهل أخذها باليد عند الحاجة إلى استعماله. فلما علم ذلك الفاعل الحكيم أن الانتفاع بالإبريق لا يكمل إلا عند حصول هذه الصفات الثلاثة ، لا جرم ركب ذلك الحكيم خلقه هذا الإبريق على هذا الوجه الصالح والهيئة الموافقة لهذا المقصود».
ثم إن محمد بن زكريا بعد أن ذكر هذا المقال الحسن ، الموافق للمقصود ، شرع في شرح آثار حكمة الرحمن (٤) في تخليق بدن الإنسان ، وذكر بعض ما فيه من التركيبات العجيبة والهيئات المطابقة للحكمة والمصلحة ، ثم قال بعدها : «وصريح العقل شاهد بأن هذه العجائب والبدائع في تركيب هذا البدن لا يمكن صدورها إلا عن قادر حكيم خلق هذه البنية بقدرته ، وأحكمها بحكمته».
واعلم أن هذا البيان الذي ذكره (٥) محمد بن زكريا في هذا الموضع بيان حسن كامل ، وعند هذا يظهر للعقل السليم : أن هذه الوجوه المتكلفة المذكورة في بيان أنه يجوز صدور هذه الآثار العجيبة الحاصلة في تخليق بدن الإنسان عن الطبيعة المحضة ، الخالية عن العلم والقدرة : وجوه ضعيفة خسيسة جارية
__________________
(١) من (ز).
(٢) من (س).
(٣) من (ز).
(٤) الله تعالى (س).
(٥) ذكره هذا الرجل في هذا الموضع (س).