مجرى إخفاء قرص الشمس بكف من التراب.
قال [تعالى] (١) في الكتاب الإلهي : (أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ؟ فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ ، إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ ، فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ ، وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) (٢) فقوله : «فجعلناه في قرار مكين ، إلى قدر معلوم» معناه : أن طبيعة المني تقتضي النقل والزوال ، إلا إذا دبر خلقه في الرحم [تدبيرا عجيبا يقتضي استمساك تلك القطرة. في الحريم. إنا دبرنا خلقة ذلك العضو] (٣) بحيث يقتضي استمساكها إلى حد معين ، وزمان معلوم ، وهو المدة التي يحتاج الجنين فيها إلى الاستكمال والتمام ، فإذا تم البدن وكملت الخلقة زال ذلك الاستمساك ، وبطل ذلك الحفظ ، وانقلبت الطبيعة الحافظة الممسكة إلى مرسلة مخرجة ، وعند ذلك ينفصل الولد عن الرحم فقوله : «إلى قدر معلوم» إشارة إلى أن بقاء ذلك الجسم في الموضع المعلوم ، ممتدا إلى مقدار الحاجة ، فإذا انقضى زمان الحاجة ، لم يبق الاستقرار في ذلك الموضع ، ثم قال : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) يعني من عرف أن هذه أفعال واقعة على وجه الحكمة ، والرحمة ، وإفاضة النعمة. ثم إن إنسانا لو أضافها إلى طبيعة لا شعور لها ولا إدراك ، ولا قدرة على فعل من الأفعال ، كان ذلك مكذبا بالعلوم البديهية ، وجاحدا للمعارف اليقينية (٤) ، فيكون مستحقا للويل والبلاء.
وأما قوله : «لم لا يجوز أن يضاف ذلك إلى الطبيعة ، بسبب أن الناس يضيفون الأفعال الحسنة إلى الطبيعة»؟ قلنا : دفع البديهيات لأجل التمسك بكلمات يذكرها بعض أهل العرب باطل. قوله : «يلزم إضافة تخليق جميع الحيوانات إلى خالق العالم» قلنا : وهكذا نقول : وأما ما يتعلق بالحسن والقبح فالكلام فيه سيأتي بالاستقصاء. قوله : «لم لا يجوز أن يكون المباشر لتخليق هذه الأبدان هو الأفلاك والكواكب»؟ قلنا : لا شك أن هذا الاحتمال قائم ،
__________________
(١) من (س).
(٢) بدل «ويل .. الخ» في (ز) كلمة الآية في (س) وهي في سورة المرسلات ٢٠ ـ ٢٤.
(٣) من (ز).
(٤) في (ز) كان مكذبا بالضرورة ، جاحدا للمعارف البديهية.