وكل من كانت الجسمانية عليه أغلب ، كان أخس وأبعد من الكمال. ثم لما تأملنا في ضبط صفات الكمال ، وجدناها محصورة في ثلاثة أنواع : الاستغناء ، والعلم ، والقدرة. ثم من المعلوم أن هذه الصفات الثلاثة لا تحصل للإنسان على سبيل الكمال ، بل إنما تحصل له بمقدار القوة البشرية ، والطاقة الإنسانية. فنشاهد أن أصناف أهل العالم ، وإن كانوا كثيرين إلا أن الصنف الواحد من تلك الأصناف أكملهم في هذه الصفات ، ثم في ذلك [الصنف] (١) يوجد أشخاص كثيرون إلا أنه يحصل فيهم شخص واحد هو أكمل أولئك الأشخاص ، وحينئذ يكون ذلك الشخص هو أكمل الأشخاص الموجودين في عالم الدنيا ، وهو المسمى عند أهل التصوف بقطب (٢) العالم. وفي لسان الشيعة بالإمام المعصوم. ثم هؤلاء الأفاضل الذين لا يوجد منهم في الدور الواحد إلا الفرد الواحد ، إذا قوبل بعضهم بالبعض ، فسيوجد في كل ألف سنة أو أقل أو أكثر : شخص واحد هو رئيسهم الأكبر ، وإمامهم الأعظم ، وذلك هو النبي الكامل صاحب الوحي والتنزيل.
ولما عرفتك (٣) هذه المراتب في عالم الجسمانيات ، فاعرف مثله في عالم الروحانيات : فالموجودات الروحانية المجردة عن علائق الأجسام كثيرة ومختلفة
__________________
(١) من (س).
(٢) الحق : أن التصوف ليس من الإسلام. وأنه دعوة اعتنقها بعض الناس في بدء ظهور الإسلام ، ليبعدوا الناس عن العمل في الدنيا ، لعمارتها. وليربطوهم بالمساجد. وإذا ابتعدوا عن عمارة الدنيا ، يتقدم أعداء المسلمين لعمارة الدنيا ، ثم يسيطرون على بلاد المسلمين ، لإذلال المسلمين. ومن هؤلاء الأراذل : الجنيد وأبو يزيد البسطامي ، والحلاج ، والسري السقطي ، وقد آن الأوان ليرفض المسلمون الصادقون ، أفكار هؤلاء المنحرفين عن الدين. فإن الدين عند الله الإسلام ، وليس هو التصوف. ومن خرافات هؤلاء الأرذال : جاء في بعض كتب مناقب الشيخ عبد القادر الجبلي : أنه مات بعض مريديه ، فشكت إليه أمه وبكت ، فرق لها. فطار وراء ملك الموت في المساء ، وهو صاعد إلى السماء ، يحمل في زنبيل ما قبض من الأرواح في ذلك اليوم. فطلب منه أن يعطيه مريده ، أو أن يردها إليه. فامتنع. فجذب الزنبيل منه ، فأفلت فسقط جميع ما كان فيه من الأرواح ، فذهبت كل روح إلى جسدها. فصعد ملك الموت ، وشكا إلى ربه ما فعله عبد القادر. فأجاب الرب ـ سبحانه .. الخ [ص ٣٨ صراع بين الحق والباطل ـ سعد صادق محمد].
(٣) ولما عرفت (س).