بالاعتبارات التي نبهنا عليها أنها بأسرها في هذه الصفات ، كما أخبر عنه سبحانه عن هذه الدقيقة. بقوله : (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ ، وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا ، لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ. وَقالَ : صَواباً) (١). وإذا كان الأمر كذلك ، فهذه الأرواح البشرية بالنسبة إلى غنى جلال الله تعالى ، أقل من العدم وأحقر من الذرة ، وإذا كان الأمر كذلك ، فمن المحال المحال كونها وافية بمعرفة تليق بكنه صمديته ، وبشكر يليق بأنواع آلائه وكرمه ، وبطاعة تليق بحضرة جلاله ، بل ليس عند البشر إلا الذلة ، والقصور والعجز والمسكنة.
فهذا هو الإشارة إلى هذه الطريقة اللائقة بأصحاب الرياضيات والمكاشفات في معرفة صنوف الروحانيات [والجسمانيات] (٢) ولو خاض الإنسان في شرح هذه التفاصيل لقال : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ : أَقْلامٌ ، وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ : سَبْعَةُ أَبْحُرٍ. ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ) (٣). وهذا آخر الكلام في تقرير هذه الطريقة ، وهي عند أرباب العقول الصافية من نفائس الأحاديث [وبالله التوفيق] (٤).
واعلم. أن حاصل الكلام من هذه المباحث الطويلة : أن فطر جميع العقلاء شاهدة بوجود الروحانيات وشاهدة بأن الروحانيات أعلى حالا من الجسمانيات وشاهدة بأن الروحانيات مستولية على الجسمانيات ، وشاهدة بأنه كما أن مراتب الجسمانيات متفاوتة بالكمال والنقصان [فكذلك] (٥) مراتب الروحانيات متفاوتة بالكمال والنقصان فيجب أن يحصل في الوجود موجود روحاني هو أعلى وأكمل وأشرف من كل الروحانيات التي هي عالية في الشرف على جميع الجسمانيات (٦). وحينئذ يلزم أن يكون ذلك الموجود أعلى من كل
__________________
(١) النبأ ٣٨.
(٢) من (س).
(٣) لقمان (٢٧).
(٤) من (ز).
(٥) من (ز).
(٦) من (ز).