__________________
ـ كثيرون من العلماء بقولهم : إن الله تعالى يريد تقريب ذاته إلى عقول البشر ، حتى تقدر العقول أن تدرك الألوهية وتقربها. أما هو عزوجل فإنه أكبر وأجل. ولذلك خاطب البشر على قدر عقولهم ، ووضع للعلماء الآيات المحكمات ليدركوا قصد الله تعالى من محكم كتابه. وإذا قلنا : إن الله تعالى قال في التوراة. فقولنا بحسب المكتوب فيها على طريقة إلزام الخصم بما يعتقد به ، ويسلم به.
* * *
ونصرح نحن المسلمين باستحالة الالتقاء في عقيدة التوحيد بين النصرانية والإسلام وبيان ذلك ما يلي :
أولا : إن المسلمين يعتقدون بأن الله تعالى إله واحد. وهذا الإله الواحد يجب أن ينسب إليه المسلم كل صفات الكمال ، ويجب على المسلم أن ينزه الله تعالى عن كل نقص. فالله تعالى إله واحد ، ومع وحدانيته في الذات والصفات والأفعال يتصف بالقدرة والإرادة والعلم والسمع والبصر والحياة والرحمة والعدل والإحسان ، وهكذا سائر الصفات الطيبة التي تليق بذاته المقدسة. ولا يصح لمسلم أن يصف الله بالعجز والقهر والجهل ، وهكذا من الصفات السيئة التي لا تليق بذاته المقدسة.
ومعنى هذا : أن الوحدانية في الإسلام يلزمها التنزيه. أي أن الله واحد ومنزه عن كل نقص. والدليل على ذلك قول الله تعالى : (قُلْ : هُوَ اللهُ أَحَدٌ ، اللهُ الصَّمَدُ ، لَمْ يَلِدْ ، وَلَمْ يُولَدْ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) فقد بينت السورة الكريمة سورة الإخلاص أمران : الأول : هو الوحدانية. والثاني : هو التنزيه. والملة النصرانية تقول بالتوحيد لله عزوجل. ولكنه توحيد لا تنزيه فيه. وتقول بالتوحيد قولا ، لا اعتقادا. لأنهم يعتقدون في التثليث. وعلى ذلك : الالتقاء مستحيل بين الوحدانية في الإسلام وبين النصرانية لأن التثليث من عقيدتهم ، والتجسيم من عقيدتهم. وعدم التنزيه من عقيدتهم. أما الإسلام ففيه التوحيد قولا واعتقادا ، وفيه التنزيه. ولنبدأ بشرح عقيدة «التوحيد» عند «الأرثوذكس» فنقول :
يعتقد الأرثوذكس : أن الله تعالى ، حبلت به «مريم» العذراء ، بقوة «الروح القدس» أي بمساعدة «الروح القدس» حبلت مريم بالمسيح. وهذا المسيح هو الله نفسه حل في مريم ، واتخذ جسدا ، وصار مسيحا ، ثم خرج من مريم طفلا رضيعا. ومن يرى هذا الطفل من الناس يعتقد أنه «يسوع المسيح» ولكن في الحقيقة هو الله تجسد في صورة المسيح. ومثل ذلك مثل «جبريل» لما أتى النبي صلىاللهعليهوسلم في صورة «دحية الكلبي» فالناس اعتقدوا أن الآتي هو «دحية» وفي الحقيقة هو «جبريل» ـ وبهذا يجادل النصارى ـ ثم يقولون : إن المسيح لما كبر بلغ الرسالة إلى بني إسرائيل في سن الثلاثين ، وفي سن الثالثة والثلاثين قتله اليهود وصلبوه ، ثم إنه نزل جهنم ، وتعذب فيها ثلاثة أيام ، ثم خرج من جهنم إلى القبر ، ومنه ارتفع إلى السماء. وجلس كما كان أولا.
هذا هو التوحيد عند نصارى الأرثوذكس. الله صار مسيحا. والله قبل التجسد في البطن ، يلقب بلقب «الأب» ـ وهذا هو الأقنوم الأول ـ وبعد التجسد ، يلقب بلقب «الابن» لأنه في نظر الناس ابن لمريم ، ولأن المزمور الثاني يتحدث عن ابن ـ وهذا هو الأقنوم الثاني ـ وبعد القتل ، يلقب ـ