وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (١) ثم بعد ذلك يقول : (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) (٢) ـ (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) (٣) ـ (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (٤).
ويمنعهم عن البحث في هذه المضائق [والخوض في هذه الدقائق (٥)] إلا إذا كان من الأذكياء المحققين ، والعقلاء المفلقين فإنه بعقله الوافر يقف على حقائق الأشياء. وأيضا
يبين لهم : كون العبد صانعا فاعلا ، قادرا على الفعل والترك ، والخير والشر. ويبالغ فيه ، فإنه إن ألقى إليهم الخير المحض تركوه ، ولم يلتفتوا إليه. ويبين لهم أيضا : أنه وإن كان الأمر كذلك ، إلا أن الكل بقضاء الله ـ تعالى ـ وقدره ، فلا يعزب عن علمه وحكمه : مثقال ذرة في السموات والأرض ، ثم يمنعهم بأقصى الوجوه عن الخوض في هذه الدقائق ، فإن طباع أكثر الخلق بعيدة عن هذه الأشياء.
وبالجملة : فأحسن الطرق في دعوة الخلق إلى عبودية الحق. هو الطريق الذي جاء به سيد الأنبياء محمد عليه الصلاة والسلام. وذلك لأنه يبالغ في تعظيم الله تعالى في جميع الوجوه على سبيل الإجمال ، ويمنعهم من الخوض في التفصيل. فيذكر في إثبات التنزيه قوله : (وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ) (٦) وإذا كان غنيا على الإطلاق ، امتنع كونه مؤلفا من الأجزاء ، وإذا كان كذلك ، امتنع أن يكون متحيزا. وإذا كان كذلك ، امتنع أن يكون حاصلا في الأمكنة والأحياز. وذكر أيضا قوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (٧) ولو كان جسما ، لكان ذاته مثلا لسائر الأجسام ، بناء على قولنا : إن الأجسام بأسرها متماثلة. ثم إنه ذكر في جانب الإثبات : ألفاظ كثيرة ، وبالغ فيها. وهذا هو الواجب. لأنه لو لم يذكر هذه الألفاظ ، لما قرر عند الأكثرين كونه موجودا. وأيضا : بالغ في
__________________
(١) الشورى ١١.
(٢) الأنعام (٦١).
(٣) فاطر ١٠.
(٤) طه ٥.
(٥) سقط (ل).
(٦) محمد ٣٨.
(٧) الشورى ١١.