تقرير كونه عالما بجميع المعلومات ، فقال : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ) (١) وقال : (اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى ، وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ) (٢) ثم لم يقع في بيان أنه عالم لذاته ، أو بالعلم. وأيضا بين كون العبد فاعلا وعاقلا وصانعا وخالقا ومحدثا ، في آيات كثيرة. ثم بين في سائر الآيات : أن الخير والشر كله من الله تعالى ، ولم يبين أنه كيف يجمع بين هذين القولين ، بل أوجب الإيمان بهما على سبيل الإجمال. وأيضا : بين أنه لا يعزب عن مشيئة الله تعالى ، وإرادته وقضائه وتقديره [شيء البتة (٣)] ثم بين أنه لا يريد الظلم والعبث والباطل ولا يفعله. فالحاصل : أن طريقة نبينا في الدعوة هي تعظيم الله تعالى من جميع الجهات المعقولة ، والمنع من الخوض في بيان أن تلك الجهات هل تتناقض أم لا؟ فإنا إن قلنا : القبائح من أفعال العباد ، وحصلت بتخليق الله تعالى ، فقد عظمناه بحسب القدرة ، لكن ما عظمناه في الحكمة. وإن قلنا : إنها ليست من الله تعالى ، فقد عظمناه بحسب الحكمة ، ولكن ما عظمناه بحسب القدرة.
[وأما القرآن فإنه يدل على تعظيم الله تعالى بحسب القدرة (٤)] وبحسب الحكمة معا ، فقال [في الأول (٥)] : (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) (٦) وقال في الثاني : (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ ، وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) (٧) ثم منع الناس من أن يخوضوا في تقرير هذا التعارض وفي إزالته. بل الواجب على العوام : الإيمان المطلق بتعظيم الله تعالى في القدرة وفي الحكمة. وفي الحقيقة ، فالذي قاله هو الصواب. فإن الدعوة العامة لا تنتظم إلا بهذا الطريق.
__________________
(١) الأنعام ٥٩.
(٢) الرعد ٨.
(٣) من (ت).
(٤) سقط (ل).
(٥) سقط (ط).
(٦) النساء ١٧.
(٧) النساء ٧٩.