وأما القسم الثاني من المباحث المتعلقة بالأديان : ما يتعلق باليوم الحاضر. وذلك هو أن يكون العبد مشتغل الزمان بخدمة المعبود. وتلك الخدمة ، إما أن تعتبر في القلب ، وهو بالمعارف والعلوم. وإما بالبدن ، وهو الإتيان بالطاعات البدنية. وإما بالمال ، وهو الزكوات والصدقات. ولما كان جمهور الخلق محتاجين إلى مرشدين يرشدونهم إلى هذه المعارف ، وهم الأنبياء ، لا جرم وجب على الأنبياء أن يوجبوا عليهم الإيمان بالأنبياء والرسل.
والقسم الثالث من المباحث المتعلقة بالأديان : ما يتعلق باليوم المستقبل ، وهو معرفة الآخرة ، وأحوال ما بعد الموت.
فهذه الأقسام الثلاثة : أهم للأنبياء والرسل في أن يشتغلوا بتعريف أحوالها. وتفصيل آثارها.
واعلم : أن المهمات على قسمين : أحدهما : إزالة ما لا ينبغي. والثاني : تحصيل ما ينبغي. والأول متقدم على الثاني. لأن اللوح إذا حصل فيه نقوش فاسدة ، فالواجب إزالتها أولا ، حتى يمكن تحصيل النقوش الصحيحة فيه ثانيا. فثبت : أن إزالة ما لا ينبغي متقدمة على تحصيل ما ينبغي.
فلهذا السبب أول ما ذكره الله تعالى في القرآن هذه المراتب. وهي سبعة :
المرتبة الأولى : إزالة ما لا ينبغي ، وهو المراد بالتقي. فلهذا بدأ الله بذكره ، فقال : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) (١) وأما سائر المراتب بعد ذلك فهي إشارة إلى تحصيل ما ينبغي. وأشرف ما يتعلق بالإنسان هو النفس ، وأوسط المراتب : البدن ، وأدونها المال ، ولهذا ذكر بعد قوله (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) : قوله تعالى : (يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) فإن محل الإيمان هو القلب ، وبعده قوله : (وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) لأنها تتعلق بالبدن ، وآخره قوله : (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) لأنه يتعلق بالمال ، ولما ذكر هذه الأحوال الأربعة المتعلقة بالإلهيات ، أرفدها بذكر مرتبتين متعلقتين بالنبوات ، فقال : (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ
__________________
(١) البقرة ٢.