والمرتبة الثالثة : الذين حصلت في طوالعهم ما يمنع (١) ومراتب الدلائل المانعة غير متناهية ، فكذلك مراتب الامتناع غير متناهية.
واعلم أن الوصول إلى هذا العلم ، يوجب خروج الإنسان من حد الإنسانية ، ودخوله في عالم الملائكية. والكمال في كل شيء عزيز ، ولا سيما في أكمل الكمالات ، وأعلى الدرجات. ولا ينبغي أن يعتقد الرجل : أن كل أحد هو أهل لهذا العلم ، فإذا اشتغل واحد بهذا العلم ، ولم يفز منه بطائل ، فلا ينبغي أن يجعل ذلك دليلا على بطلان هذا العلم. فإنا نرى الحرف الخسيسة ، والصنائع النازلة قد يتعب الإنسان نفسه في تعلمها سنين ، ثم إنه لا يتعلمها كما ينبغي [فإذا كان هذا شاهدا في أخس الحرف ، فكيف الحال في أعلى الصنائع (٢)].
الشرط الرابع : اتفقوا على أن من شرائط هذا العلم : المبالغة في الكمال ، والسبب فيه وجوه :
الأول : إن النفوس الناطقة ، قد ثبت أنها من جنس الأرواح الفلكية ، فتكون مؤثرة. وهذه الصناعة لو تمت ، أفادت السلطنة التامة على الأرواح والأجساد ، فإذا وقف الغير على أن إنسانا اشتغل بهذه الأعمال ، حصلت النفرة الشديدة في قلوبهم ، والرغبة التامة في إبطال تلة الأعمال وإفسادها ، فتبطل تلك الأعمال بالكلية.
والثاني : إن إشاعة هذا العلم : على خلاف مصالح العالم. لأن استيلاء الرجل الواحد على كلية العالم : أمر على خلاف نظام العالم.
الثالث : إن الشيء إذا كان عزيزا بولغ في حفظه وكتمانه ، فعدم المبالغة في الحفظ والكتمان ، يدل على أنه لا وقع له عنده ، وقد بينا : أن ضعف الاعتقاد فيه ، يوهن هذه الأعمال.
__________________
(١) من (ل).
(٢) من (ل).