والثالث : إن بسبب سرعة حركة القمر ، تمتزج أنوار الكواكب بعضها بالبعض وبحسب تلك الامتزاجات تختلف حال الآثار الحاصلة في هذا العالم.
والرابع : إن أقوى الفاعلتين هو الحرارة ، وأشد المنفعلتين استعدادا لقبول الأثر هو الرطوبة. ومتى لقي الفاعل القوي في التأثير المنفعل القوي في القبول : قوي الأثر ، وكمل الفعل. فلهذا السبب كان الموجب لحدوث الكائنات تأثير الحرارة في الرطوبة. وينبوع الحرارة هو الشمس. وينبوع الرطوبة هو القمر. فكان الشمس كالأب. والقمر كالأم. وعند اجتماعهما تحدث المواليد. وأما سائر الكواكب فهي كالأعوان. فلهذا السبب وجب الاعتناء بمعرفة أحوال النيرين.
ثم نؤكد ما ذكرناه بوجوه أخرى :
الأول : إن سلطان النهار : الشمس. وسلطان الليل : القمر. والزمان ينقسم إلى هذين القسمين : الليل والنهار.
والثاني : إنهم أجمعوا على أن لطالع الاستقبال والاجتماع أثرا عظيما في أحوال هذا العالم ، ولم يعتبروا أحوال الاجتماع والاستقبال في سائر الكواكب ، مثل ما اعتبروا في النيرين.
والثالث : إن الأطباء أطبقوا على توزيع أمر البخرانات ، على أحوال حركة القمر. وعلى توزيع أحوال المد والجزر في البحار ، على أحوال حركة القمر.
والرابع (١) : إن القمر شديد الاتصال بالشمس. بدليل : أن بيته متصل ببيت الشمس ، وبيت شرفه متصل ببيت شرف الشمس ، بل قالوا : إن شرف الشمس في التاسع عشر من الحمل ، والقمر إذا قارن الشمس ، فإنه لا يصير ممكن الرؤية ، إلا إذا تباعد عنها بمقدار اثنتي عشرة درجة. ولما كانت الدرجات قد تختلف مقاديرها ، بسبب اختلاف المطالع ، جعلوا درجة شرف القمر في
__________________
(١) القسم الرابع (ت).