وأيضا : فليس إيصال الضرر إلى أحدهما ، لأجل حصول النفع للثاني ، أولى من العكس. فثبت بهذا البيان : أنه لا يجوز أن يقال : التكليف إنما هو حسن لوجه حكمة ومصلحة.
وأما القسم الثاني : وهو أنه حسن ذلك من الله تعالى من غير فائدة ولا حكمة. فهذا أيضا باطل لأنا في هذا القسم إنما نتكلم على تقدير أن يكون القول بتحسين العقل وتقبيحه معتبرا. ومعلوم أن على هذا التقدير فإلحاق المضار والآلام والمتاعب بالغير من غير حكمة وفائدة قبيح في العقل. فكان هذا القسم باطلا. فيثبت أن على تقدير أن يكون تحسين العقل وتقبيحه معتبرا. لو حصل التكليف. لحصل ، إما لفائدة أو لا لفائدة ، وثبت فساد القسمين ، فوجب أن يكون القول بالتكليف باطلا ، على تقدير أن يكون تحسين العقل وتقبيحه معتبرا.
الحجة الثانية في بيان أنه مع القول بتحسين العقل وتقبيحه ، وجب أن يكون التكليف قبيحا : هو أن نقول : إما أن يقال : إن لله تعالى في هذه التكاليف فائدة ومنفعة [وإما أن يقال : إنه منزه عن جميع المنافع والفوائد العائدة إليه. وإنما كلفه بهذه (١)] الأفعال لأجل الفوائد العائدة إلى ذلك العبد ، أو لأجل الفوائد العائدة إلى ذلك الثالث. أو لا لشيء من الفوائد. والأقسام الأربعة باطلة.
أما القسم الأول : وهو أن يكون المقصود من هذه التكاليف : عود الفوائد إلى الله تعالى ، فهو باطل على ما بيناه في الوجه الأول.
وأما القسم الثاني : وهو أن يكون المقتضى لحسن هذه التكاليف عود المنافع والمصالح إلى العباد ، فهذا باطل ، لأن معنى إيجابها : ترتب العقاب على تركها ، فيصير المعنى كأن الله تعالى يقول للعبد : أيها العبد حصل لنفسك المصلحة الفلانية ، وإن لم تحصلها لنفسك ، فأنا أعذيك أبد الآباد. فيقول العبد : يا إله العالمين : هذا الحكم متناقض. لأنه إذا كان [لا مقصود لك من
__________________
(١) سقط (ت).