الأربعة. فتلك المقادير اختلطت وامتزجت ، في مدة معلومة ، فحصل بسبب ذلك الامتزاج ، كيفية مزاجية معتدلة. وإذا تم حدوث البدن بهذا الطريق ، وجب حدوث النفس المتعلقة بتدبيره وحينئذ يتم تكون الإنسان. قالوا : إذا ثبت هذا فنقول : إنه لا يمتنع حصول أجزاء مخصوصة من العناصر الأربعة على تلك المقادير المعلومة ، ولا يمتنع اختلاطها. وعند اختلاطها لا بد وأن يتكون ذلك المزاج ، وعند تكونه لا بد وأن تحدث تلك النفس. والموقوف على الممكن : ممكن فكان حدوث الانسان المعين على سبيل التولد : ممكنا ، وإذا كان ممكنا ، كان انخراق العادات على قولهم لازما.
المسألة الثانية (١) : إن هيولى عالم الكون والفساد : هيولى مشتركة بين الكل. وإنما اختص هيولى الجسم المعين بالصورة [المعينة لأن شكلا فلكيا ، اقتضى كون تلك المادة مستعدة لقبول تلك الصورة (٢)] الخاصة [للتشكلات النامية (٣)] والأشكال الفلكية غير مضبوطة ، وغير معلومة. وبهذا التقدير فإنه لا نوع من أنواع الخوارق إلا وهو ممكن محتمل. فهذا شرح مذاهب الفلاسفة في هذا الباب.
وأما المعتزلة فكلامهم في هذا الباب : مضطرب. فتارة يجوزون خوارق العادات ، وأخرى يمنعون منه. وليس لهم بين البابين : قانون معلوم ، وطريق مضبوط. فهذا هو التنبيه على مذاهب الناس في هذا الباب.
واحتج المانعون من انخراق العادات بوجهين :
الأول : أن قالوا : العلوم قسمان (٤) : بديهية وكسبية ، والكسبيات مفرعة على البديهيات ، وإذا كان كذلك كان كل كسبي يوجب القدح في
__________________
(١) الرابعة (ت).
(٢) من (ل) ، (طا).
(٣) من (ت).
(٤) في (ط) : العلوم قسمان بديهية وكسبية. والكسبيات مفرعة على البديهيات ، وإذا كان كذلك ، كل كسبي يوجب القدح في البديهي ، كان كالفرع على البديهات .... الخ وفي (ت) : العلم قسمان بديهية وكسبية ، والكسبيات مفرعة على البديهيات ، وإذا كان كذلك كان فاسدا ، فعلمنا أن العلوم الكسبية ... الخ.