والديدان : علماء فضلاء ، يبحثون مع ذلك الحمار في دقائق الهندسة والمنطق والإلهيات ، لقضى كل عاقل عليه بأعظم أنواع الجنون.
المثال الثالث : لو أن إنسانا شاهد مغارة خالية عن جميع أنواع العمارات ، ثم جوز أن يحصل فيها قصور عالية ، وأبنية رفيعة ، وأنهار جارية ، من غير أن يتكفل بتلك العمارات أحد من البشر ، ومن غير إحضار الخشب واللبن والمسامير ، لقضى كل عاقل عليه بالجنون. فيثبت : أن بدائه العقول قاضية بوجوب استمرار هذه الأحوال على مناهجها الأصلية ، ومجاريها المألوفة المعتادة ، وثبت أن تجويز انقلابها عن مجاريها يقدح في العلوم البديهية ، فوجب أن يكون القول به باطلا.
الوجه الثاني في بيان أن ذلك محال : أن نقول : اختصاص كل جسم بصفته المعينة ، إما أن يكون لأجل أن اختصاصه بتلك الصفة واجب ، أو إن لم يكن واجبا ، لكنه أولى من غيره ، أو لم يحصل هذا الوجوب ، ولا هذه الأولوية. فإن حصل مع الوجوب ، كان محالا ، وإن حصل مع الأولوية فتلك الأولوية إن كانت لنفس الذات ، امتنع زوالها ، وإن كان حصولها لصفة أخرى ، كان الكلام في الثاني كما في الأول ، فيلزم أن يكون حصول أولوية كل صفة ، لأجل تقدم صفة أخرى لا إلى أول. وذلك يوجب القول [بقدم العالم ، وهذا يبطل القول (١)] بالنبوة. وأما القسم الثالث : وهو أن يقال : اختصاص كل جسم بصفته المعينة ، لأجل أن الفاعل المختار ، خصصه بتلك الصفة من غير مرجح أصلا. فنقول : إذا جوزتم هذا ، فجوزوا أيضا أن يخلق تلك المعجزة لا لمرجح أصلا ، وذلك يقدح في قولنا إنه إنما خلق المعجز لأجل التصديق.
وإذا ثبت هذا فحينئذ يخرج المعجز من أن يكون دليلا على الصدق. فالحاصل : أن اختصاص كل جسم بصفته المعينة. إن كان على سبيل الوجوب
__________________
(١) سقط (ت).