والجواب عن الرابع : وهو قوله : «اختصاصه بمعرفة ذلك الدواء ، يوجب أن يكون معجزا» فنقول : هذا باطل. لأن حصول إنسان في كل عصر يختص بمعرفة أشياء لا يعرفها غيره : أمر معتاد ، وإذا كان هذا معتادا ، فقد خرج ذلك عن أن يكون معجزا.
فهذا تمام القول في هذا السؤال.
الاحتمال الثالث : أن يقال : إن أرباب الملل والنحل أطبقوا على إثبات الجن والشياطين ، واتفقوا على أنهم يقدرون على الإتيان بما يعجز عنه البشر. وأيضا : فهب أن أرباب الملل لم يتفقوا على هذا المعنى ، إلا أن تجويزه قائم في أول العقل. وإذا كان كذلك ، فبتقدير أن يصح ذلك ، لم يمتنع [أن يصح (١)] أن يكون الفاعل لهذه المعجزات واحدا من الجن ، أو الشياطين. ومع قيام هذا الاحتمال ، كيف يمكن الجزم بأن فاعل هذه المعجزات هو الله تعالى؟ والعجب : أن الناس يجوزون دخول الجني في بدن المصروع ، ويجوزون أن يتكلم [الجني على لسان المصروع (٢)] وأنه يخبر عن الغيوب على لسان المصروع. فلما جوزوا ذلك ، فلم لا يجوزون أن الذئب لما تكلم مع الرسول عليهالسلام ، أو الجمل [لما تكلم معه (٣)] أو الذراع المسموم لما تكلم معه ، فذلك الكلام إنما حصل لأجل [أن الجني نفذ في بطن ذلك (٤)] الذئب والجمل والذراع وتكلم؟ ومع قيام هذا الاحتمال ، فكيف قطعوا بأنه معجز حصل بخلق الله تعالى؟
ولم لا يجوزون أن يقال : إن انقلاب العصا حية ، كان من هذا الباب؟ وأيضا : فلم لا يجوزون أن [يقال : إن (٥)] فصاحة الجن ومردة الشياطين كانت وافية بمثل فصاحة القرآن ، فأتوا بهذا القرآن من عند أنفسهم ، وألقوه
__________________
(١) من (ت).
(٢) يتكلم على لسان (ت).
(٣) من (ل) ، (طا).
(٤) سقط (ت).
(٥) من (ط).