الكعبة أو غيرها. وكذلك المقصود من اجتماع الخلق الكثير في الموضع الواحد ، لأجل أداء الطاعات والعبادات أن تصير كثرة الأرواح المتوجهة إلى استنزال رحمة الله تعالى ، سببا لقوة ذلك التأثير ولتكميله ، وهذا لا يتفاوت بأن تكون تلك الجمعية حاصلة في يوم الجمعة ، أو في يوم السبت ، أو في يوم الأحد.
إذا عرفت هذا ، فنقول : ظهر بهذا البحث : أن الأشياء التي اختلفت الشرائع فيها : أمور لا فائدة البتة ، بحسب المطالب الأصلية. فلم يبق إلا أن يقال : الغرض من التشديد في إظهارها : أن يصير ذكر ذلك المتقدم مندرسا ، وأن يصير ذكر هذا الثاني باقيا ، فيما بين الناس. ولا فائدة في ذلك إلا طلب الرئاسة في الدنيا [والتفوق على الخلق. فلما شرعوا القتل والنهب والإيذاء والإيلام ، لتقرير هذه المعاني ، علمنا : أنه ليس بصواب. وظهر أن المقصود منه ليس (١)] إلا طلب الرئاسة في الدنيا ، فيكون باطلا.
الشبهة الثانية للقوم : قالوا : إن حكم العقل في التحسين والتقبيح. إما أن يكون معتبرا ، وإما أن لا يكون ، وعلى التقديرين ، فالقول بالنبوة : مشكل. أما القسم الأول : وهو أن يكون التقدير : أن يكون حكم العقل في التحسين والتقبيح مقبولا. فنقول : إنه متى كان الأمر كذلك ، كانت بدائه العقول قاضية بأن الإنسان إذا كان قلبه خاليا عن [الالتفات إلى الدنيا وشهواتها ، وكان خاليا عن (٢)] الاشتغال بغير الله تعالى ، وكان غريقا في نور معرفة الله تعالى ، وفي ذكره ، فهذا الإنسان إذا مات ، وجب أن يكون من السعداء الأبرار ، لكنا نرى أن الأنبياء يقولون : إن من كان حاله على ما ذكرناه ، ثم إنه غفل عن الإقرار بالنبوة والرسالة ، أو كان متوقفا فيه ، كان كافرا من أهل العذاب الدائم ، والعقاب المخلد ، ولما ثبت أن حكم العقل في الإنسان المذكور أن يكون من السعداء الأبرار ، وثبت أن حكم الشرع فيه أن يكون من الأشقياء الكفار ، ثبت : أن حكم الشرع مخالف لحكم العقل ، ولما
__________________
(١) من (ل) ، (طا).
(٢) من (ل) ، (طا).