بلى قد يعقل كون أحدهما قادرا على أشياء سوى ذلك الواحد ، لكن المطلوب هاهنا بيان القدرة والقوة بالنسبة إلى ذلك الشيء الواحد لا تقبل التفاوت. وإذا (١) حصل الاستواء بين هذين المؤثرين ، كان [القول بأن (٢)] أحدهما أولى بالتأثير ، موجبا [رجحان (٣)] أحد طرفي الممكن على الآخر ، لا لمرجح ، وهو محال. فثبت بما ذكرنا : أن جميع الممكنات مقدورة لله تعالى. وثبت : أنه متى كان الأمر كذلك ، كان القول بإثبات مؤثر غير الله تعالى ؛ يفضي إلى هذه الأقسام الباطلة ، فكان القول به محالا ، فثبت بهذا البرهان الكامل : أنه لا مؤثر في الوجود إلا الله أصلا.
الحجة الثانية : إن الإمكان علة للحاجة إلى المؤثر. فإما أن يكون علة للحاجة إلى مؤثر بعينه أو لا بعينه ، والثاني باطل. لأن كل ما كان موجودا في نفس الأمر ، فهو متعين في نفسه ، فما لا يكون متعينا في نفسه [امتنع كونه موجودا في نفسه (٤)] وما كان ممتنع الوجود ، امتنع أن يكون علة لوجود غيره ، ولما بطل هذا القسم ، بقي [القسم الأول وهو أن الإمكان علة الحاجة إلى شيء بعينه ، فوجب أن يكون كل (٥)] ممكن محتاجا في وجوده إليه ، وإذا كان كذلك ، فلا مؤثر إلا الواحد.
فهذا هو أحد الأصول الثلاثة التي لا بد من معرفته في هذا الباب.
الأصل الثاني من الأصول التي عليها مدار إثبات النبوات : أنه لا يمتنع أن يكون الشيء معلوم الجواز والإمكان ، ومع ذلك فإنه يكون الجزم والقطع حاصلا بأنه لم يوجد ، ولم يحصل.
وبيانه : أني إذا رأيت زيدا ، ثم غمضت العين ، ثم إني نظرت إليه في المرة الثانية ، فإني أعلم بالضرورة أن هذا الذي أراه ثانيا ، عين الذي رأيته
__________________
(١) وإذا حصل الاستواء (ت).
(٢) سقط (ت).
(٣) سقط (ط).
(٤) سقط (ت).
(٥) سقط (ت).