خارجة عن الحد والإحصاء ، موافقة لهذا المطلوب.
وأما الأصل الثالث : فهو أن تعلم أن تحسين العقل وتقبيحه باطل ، لا عبرة به ، ولا التفات إليه ، في أفعال الله تعالى ، وفي أحكامه.
وإذا عرفت هذه الأصول الثلاثة ، فحينئذ يظهر القول بصحة النبوات ، ظهورا ، لا يبقى فيها شك ولا شبهة. وتقريره : أن نقول : فاعل جميع هذه المعجزات هو الله تعالى [لأنا بينا في الأصل الأول أنه لا مؤثر ولا موجد ولا مكون إلا الله تعالى (١)] ثم نقول : وإنه تعالى إنما خلقها لأجل تصديق هذا المدعي. فأما قولهم : إنه يجوز أن يكون قد خلقها لأغراض أخرى. فنقول : ذلك التجويز قائم في الجملة. لأنا نقول : قد بينا أن قيام تجويز الوجوه الكثيرة قد لا يمنع من حصول القطع والجزم بواحد منها ، كما ذكرناه في المثال في القسم الثالث (٢) فندعي : أن الأمر في هذه المسألة كذلك.
والدليل عليه : أن موسى ـ عليهالسلام ـ لما أمر القوم ببعض التكاليف ، فأبوا ، وأصروا طلب من الله ـ تعالى ـ أن يوقف الجبل فوق رءوسهم. ثم إنهم كانوا يشاهدون أنهم كلما قصدوا الطاعة والامتثال ، فذلك الجبل ، يتباعد عن رءوسهم ، وكلما قصدوا العود إلى العتو والإصرار والكفر. فذلك الجبل يقرب منهم بحيث خافوا من وقوعه عليهم. ومن المعلوم أن حصول هذه الحالة على هذا الوجه ، يفيد العلم الضروري بأنه تعالى إنما أوقف الجبل فوق رءوسهم ، لأجل أن يتبادروا إلى الطاعة والامتثال. وتجويز أن يكون الغرض من إظلال ذلك الجبل. شيئا آخر سوى هذا المقصود ، لا يقدح في حصول العلم الضروري ، بأنه لا مقصود منه سوى ذلك. فإنا قد بينا أنه قد يحصل القطع والجزم مع قيام مثل هذا التجويز. فثبت بالأصل الأول (٣) : أن خالق كل المعجزات هو الله تعالى ، وثبت بالأصل الثاني : أنه لا حكمة لله ـ تعالى ـ في خلق تلك المعجزات ، إلا التصديق. وهذا يفيد العلم اليقيني بأن الله تعالى إنما
__________________
(١) سقط (ت).
(٢) في المثال (ط) من الثالث (ل) ، (طا).
(٣) فثبت بهذه الأصول (ت ، ط).