والاجتماع بينهم فتغيرت اللهجة وخلت عن الفعل والانفعال الاجتماعي وانجر الأمر بمرور الزمان إلى حدوث لغتين أو أكثر ، هذا كله مما لا يرتاب فيه المتأمل الباحث في أوضاع المجتمعين من الإنسان ، والحيوان ، والتغيرات ، والتطورات الواقعة فيها.
ويتبين بذلك ان الإنسان يتوصل إلى اللغات بوضع المعاني نفسها وعرضها على المخاطب أولا ، ثم وضع الألفاظ في محلها بالاعتبار بإعطاء حدودها إياها بحكم الوهم فتكون الألفاظ وجودات للمعاني بالعرض ويتوصل إلى الدلالة اللفظية أولا بالدلالة العقلية ، وهي دلالة الشيء على نفسه ، ولوازمه العقلية أولا ، ثم الدلالة على ذلك بما يراه نفس الشيء وهما ، وليس به حقيقة فاللفظ نفس المعنى ، ودلالته عليه دلالة الشيء على نفسه لكن في ظرف الاعتبار وبحكم الوهم.
ولذلك ربما سرى بعض أوصاف أحدهما إلى الآخر من حسن ، أو قبح أو خير ، أو شر ومن هنا يؤخذ جل باب التطير ، والتفؤل كما يتطير ، من الغراب لاشتقاقه من الغربة ، ومن شجرة البان لأنه من البين ، والفرقة والعرب كانت تتشأم من العطسة لأنهم كانوا يتشأمون من حيوان يسمى عاطوسا فهذه وأمثالها صفات سرت من معنى إلى لفظ ومنه إلى آخر ثم إلى معناه وربما ذهب الأمر إلى غايات بعيدة هذا.
ويتبين بذلك كله ان وضع جل الألفاظ باستثناء الاعلام الشخصية وضع تعيني لا تعييني وانما هو الإنسان مفطور على ذلك بفطرته الاجتماعية.