ومنها : قوله تعالى : (وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ.)
يعني مع خلوّ ما فصّل عن ذكر هذا الذي يجتنبونه.
ولعلّ هذه الآية أظهر من سابقتها ، لأنّ السابقة دلّت على أنّه لا يجوز الحكم بحرمة ما لم يوجد تحريمه فيما
______________________________________________________
أي : على البراءة إنشاء الله تعالى.
(ومنها) أي من الآيات التي استدل بها على البراءة (قوله تعالى : (وَما لَكُمْ)) والخطاب للمسلمين ((أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا)) ذبح ذبحا شرعيّا ، وحين الذبح ((ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ ، وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ؟)(١)) فانّ المشركين واليهود كانوا يحرّمون بعض أقسام الذبائح ، والمسلمون في أول عهدهم بالاسلام كانوا يتجنبون عن تلك المحرّمات التي كانت عند اليهود والمشركين لاعتمادهم على التحريم قبل إسلامهم ، فوبّخهم الله سبحانه وتعالى على ذلك ، وبيّن لهم المحرّمات ليكون أكل ما عدا ذلك حلالا لهم.
وعليه : فالمحرّم ما فصّلته الآية (يعني : مع خلوّ ما فصّل ، عن ذكر هذا الّذي يجتنبونه) لا وجه لاجتنابهم وعدم أكلهم منه ومن سائر المطعومات ، فتدلّ الآية على انّ كل شيء لم يبيّن حرمته يكون حلالا ، ومن يحرّمه يكون مستحقا للتوبيخ.
(ولعلّ هذه الآية أظهر من سابقتها) أي : من قوله سبحانه ، (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ ...)(٢) ووجه الأظهرية ما ذكره المصنّف بقوله :
(لأنّ السّابقة دلّت على انّه لا يجوز الحكم بحرمة ما لم يوجد تحريمه فيما
__________________
(١) ـ سورة الأنعام : الآية ١١٩.
(٢) ـ سورة الانعام : الآية ١٤٥.