وثانيا : أنّ مرجع ذلك إلى أنّ الله تعالى حكم بالاستحباب لموافقة البراءة.
ومن المعلوم أنّ أحكام الله تعالى تابعة للمصالح والحكم الخفيّة ، ولا يمكن أن يقال : إنّ مقتضى المصلحة موافقة البراءة الأصليّة ، فانّه رجم بالغيب وجرأة بلا ريب» ،
______________________________________________________
حالة ما قبل الشرع إلى ما بعد الشرع.
(وثانيا : انّ مرجع ذلك) أي : مرجع ترجيح الاستحباب بسبب البراءة الأصلية على الوجوب (إلى انّ الله تعالى حكم بالاستحباب لموافقة) الاستحباب مع (البراءة) الأصلية.
(ومن المعلوم : ان) هذا غير صحيح ، لأنّ (أحكام الله تعالى) لا تتبع البراءة وعدم البراءة حتى نجعل البراءة موافقة لحكم الله ، فانّ أحكامه سبحانه (تابعة للمصالح والحكم الخفيّة) الكامنة في ذوات الأشياء.
ومن المعلوم : انّ المصلحة تارة توجب الالزام ، وتارة توجب الاستحباب ، فلا يمكن ان نقول بالاستحباب مطلقا (ولا يمكن أن يقال انّ مقتضى المصلحة : موافقة البراءة الأصلية) حتى نقول : انّ المصلحة موافقة للاستحباب (فانه رجم بالغيب) ومعنى «الرجم بالغيب» هو : ان الانسان قد يرى الصيد فيرجمه بالحجارة فيصيبه ، وقد يكون الراجم اعمى أو يرجم في ظلام ، فيصيب صيدا ، فهو من الرجم بالغيب ، لانه اصاب ما كان غائبا عن حواسه (وجرأة) على المولى (بلا ريب) (١) لوضوح انّ المصلحة قد تقتضي الاستحباب وقد تقتضي
__________________
(١) ـ الحدائق الناضرة : ج ١ ص ٩٩.