فلاحتمال كون «من» بمعنى الباء أو بيانيّا ، و «ما» مصدرية زمانية.
______________________________________________________
اذا قدّرنا فيه «من» تبعيضية ، و «ما» موصولة ، فيكون المعنى : ائتوا ببعضه المقدور إذا كان ذلك البعض يصدق عليه : انه بعضه عرفا ، لا مثل ما إذا أمره بالمرق فقدر على مائه فقط ، فانه لا يسمى : المقدور من المرق ، فالاستدلال بالنبوي إنّما يكون لو كان على هذا التقدير ، وهذا التقدير غير ثابت حتى يستدل به على وجوب الباقي ، فالمناقشة فيه إذن لوجود تقادير واحتمالات أخر فيه كما قال : (فلاحتمال كون «من» بمعنى الباء) التي هي للتعدية (أو بيانيّا ، و) على الاحتمالين تكون («ما» مصدرية زمانية) فيكون المعنى : ائتوا بالمأمور به زمان استطاعتكم ، أو : ائتوا الذي هو واجب عليكم زمان استطاعتكم ، وعلى هذين التقديرين لا يدل النبوي على وجوب الباقي وإنّما يدل على ان تنجّز المأمور به مشروط بالاستطاعة فاذا لم يستطع من الصوم ـ مثلا ـ حال الشيخوخة ، أو من القيام بحقوق الزوجية في بعض الأزمان ـ مثلا ـ فانه لا يجب عليه ذلك.
ويؤيد هذا المعنى : مورد الحديث ، فقد روي في دعائم الاسلام عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم انه خطب فقال : «ان الله كتب عليكم الحج ، فقام عكاشة بن محصن ويروى سراقة بن مالك فقال : أفي كل عام يا رسول الله؟ فأعرض عنه حتى عاد مرتين أو ثلاثا ، فقال : ويحك وما يؤمنك أن أقول : نعم ، والله ولو قلت : نعم لوجبت ، ولو وجبت ما استطعتم ، ولو تركتم لكفرتم فاتركوني ما تركتكم ، وإنّما هلك من هلك قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم إلى أنبيائهم ، فاذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه» (١).
__________________
(١) ـ بحار الانوار : ج ٢٢ ص ٣١ ب ٣٧.