مصير الكفار يوم القيامة على سبيل التحذير والاستطراد.
ولم نطلع على رواية خاصة في مناسبة نزول الآيات. والذي يتبادر من روحها ومضمونها وترتيبها أنها جاءت معقبة على سلسلة الآيات [١٢ ـ ٣٤] التي احتوت التذكير بانحرافات أهل الكتاب وكفرهم ونقضهم مواثيق الله وإهمالهم ما أنزل الله إليهم من كتب وإخفاء كثير منها بسبيل الإنكار والمكابرة والتي تساوقت سياقا وموضوعا على ما نبهنا عليه. فبعد أن انتهت السلسلة جاءت الآيات ملتفتة إلى المؤمنين حاثة مبينة منبهة لهم على النحو الذي شرحناه كأنما تريد أن تقول لهم إن هذا هو السبيل الأقوم لكم والأجدر بكم وعليكم أن تعتبروا بمن سبقكم وبالمصير الهائل المعدّ للكافرين والمنحرفين. والله أعلم.
وواضح من روح الآيتين الثانية والثالثة أنهما بسبيل بيان وتصوير مصير الكفار الذين يموتون كفارا. وهذا يستتبع القول إن باب التوبة يظل مفتوحا للكافر والمجرم ما دام حيّا. على ما نبهنا عليه في المناسبات العديدة المماثلة.
وتصوير مصير الكافرين الأخروي رهيب حقّا. فهم مخلدون في النار. ويتمنون الخروج منها وليس هناك أي إمكان لتحقيق أمنيتهم حتى ولو كان لهم ما في الأرض ومثله معه وافتدوا به. وقد تكررت هذه الصورة أكثر من مرة. والمتبادر أن من أهدافها إثارة الخوف في نفوس الكفار وحملهم على الارعواء والتوبة وهم في فرصة الحياة والعافية ثم إثارة الغبطة في نفوس المؤمنين الذين هداهم الله فجنبهم هذا المصير الرهيب وكتب لهم السعادة والنجاة.
وجملة (وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ) في مقامها تجعل كلمة (وَجاهِدُوا) بمعنى أوسع من القتال ؛ وبعبارة أخرى هي بمعنى بذل كل جهد مادي ومعنوي وحربي وغير حربي وفعلي وقولي في تأييد دين الله وشريعته والتزام حدوده وتنفيذ أوامره في مختلف الظروف وتحمّل ما يمكن أن يكون من جراء ذلك من شدة وعنت بالصبر والمجاهدة. وهذا المعنى ملحوظ في آيات كثيرة وردت فيها الكلمة ومشتقاتها.