منسجمة مع الآية التي بعدها التي تذكر أحكام الدماء دون الزنا. ثم بما بعدها من الآيات التي تذكر الإنجيل ثم القرآن كسلسلة واحدة حيث يتبادر أكثر أنها استمرار للسياق السابق على سبيل البيان والاستطراد. ونرجح أن الآيتين نزلتا مع الآيات السابقة أو عقبها مباشرة. وروحهما تلهم بقوة كما قلنا قبل أن القضية التي أراد اليهود التقاضي فيها عند النبي ونشأ عنها المشهد الذي احتوته الآيات السابقة هي قضية دم. وأنهما استهدفتا تقرير كون حكم الله في قضايا الدم واضح في التوراة وكون واجب علماء اليهود وحكامهم هو الحكم بها وعدم الانحراف عنها والرضاء بذلك إذا حكم النبي صلىاللهعليهوسلم بينهم بها. والتنديد بهم لمحاولتهم الانحراف عن أحكام الله وإهمالها.
والعبارة القرآنية صريحة بأن الأحكام التي فيها قد كتبت على اليهود في التوراة وقد تؤيد هذه العبارة والآيات السابقة كما قلنا أن سفر التوراة الذي سجل موسى عليهالسلام فيه ما بلغه الله إياه من وصايا وأحكام كان موجودا في أيدي اليهود. وفي سفري الخروج والأحبار من الأسفار المتداولة اليوم التي تحكي كثيرا مما بلّغه الله تعالى لموسى من وصايا وأحكام أحكام مماثلة لما جاء في العبارة القرآنية مع مغايرة يسيرة حيث يمكن أن يقال إن كتّاب السفرين استقوا ما كتبوه من سفر توراة موسى. وقد ورد في الإصحاح (٢١) من سفر الخروج من جملة الأحكام المبلّغة لموسى (نفس بنفس وعين بعين وسن بسن ورجل برجل وكيّ بكيّ وجراحة بجراحة ورضّ برضّ) وورد في الإصحاح (٢٤) من سفر الأحبار تبليغا عن الله كذلك (من قتل إنسانا يقتل قتلا. أي إنسان أحدث عيبا في قريبه فليصنع به كما صنع الكسر بالكسر والعين بالعين والسن بالسن كالعيب الذي يحدثه في الإنسان يحدثه معه).
واستتباعا لما استلهمناه من الآيات السابقة بأن القرآن جعل لأهل الكتاب في السلطان الإسلامي أن يتقاضوا فيما بينهم وفق ما عندهم من شرائع يمكن القول إن الآيات التي نحن في صددها قد تكون انطوت على تلقين للسلطان الإسلامي بإجبار اليهود الذين يكونون في نطاق حكمه معاهدين وذميين على التقاضي وفقا لأحكام